Al Jazirah NewsPaper Friday  15/01/2010 G Issue 13623
الجمعة 29 محرم 1431   العدد  13623
 
في ظل غياب برامج التوعية المهنية المبكرة
نظرتنا للوظيفة الحكومية تحجب عن أبنائنا ثقافة المهنة

 

الجزيرة - فوزية الشدادي الحربي :

لا شك أن التوعية المهنية المبكرة هامة جداً من خلال وضع أهداف وبرامج هادفة، وكذلك التخطيط المهني المدروس وأساليب التوعية المهنية المبكرة للوصول إلى مجتمع متطور، وسوف نحاول خلال استضافتنا للأستاذ محمد بن عبد الرحمن الفالح مدير عام إدارة الثقافة العمالية بوزارة العمل تسليط الضوء على المشكلة لعله يكون بداية لتفعيل التوعية والمشاركة من الجميع بداية من الأسرة ومروراً بالمدرسة والمجتمع فإلى هذا الحوار..

ما هو دور التوعية المهنية المبكرة في بناء المجتمع؟

- التوعية المهنية المبكرة وزرع حب العمل واكتساب الثقافة المهنية لدى أطفالنا أصبح اليوم أمراً ضرورياً، نظراً لحاجتنا الملحة لأيدٍ عاملة وطنية ماهرة، وحاجتنا لتطوير قدراتنا الذاتية، ومشاهدة أبنائنا يعملون بأيديهم، ويأكلون مما ينتجون بأيديهم، فلا يعقل أن تبقى بلادنا معتمدة على غير أبنائها في أداء الأعمال المهنية الضرورية مثل (النجارة، هندسة إلكترونيات، السباكة، الصيانة بأنواعها..... إلخ). إن هذا التفكير في المستقبل يعزز ضرورة الحاجة لمناهج تركز على التوعية المبكرة بالعمل المهني، ولثقافة حوار ترتكز على حب العمل المهني والإقبال عليه.

أعتقد أن المشكلة نابعة منا نحن الآباء.. فنحن عندما نتحدث مع أبنائنا خلال المرحلة الثانوية أو حتى قبلها، أو نفكر بمستقبلهم المهني أو الوظيفة التي نريدها لهم أو يريدونها لأنفسهم تغلب علينا تطلعاتنا الشخصية ينحصر فكرنا في الوظيفة الحكومية، فنقول لهم إن الوظيفة في هذه الوزارة أو تلك الهيئة لها مستقبل، وذات مردود جيد، أو أن لها مكانة ومستقبلاً واعداً... ولكننا مع الأسف لا نفكر - إن لم يكن كلنا فالغالبية -في أن يتجه أبناؤنا نحو التعليم المهني والفني الذي يرتبط بالتفكير المهني المبكر، واكتساب الثقافة المهنية التي نريد أن تسود، وأن يعلم الجميع عنها سواء كانوا طلاباً أو آباءً، أومجتمعاً.

فالحوار مع الأبناء أساس مهم لبلورة توجهاتهم المهنية وحياتهم العملية المستقبلية.

وليس سراً أن الطفل لو تُرك على راحته، وهو مزود بالتفكير المهني وحب العمل، ويملك شيئاً من الثقافة المهنية المبكرة فإنه لن يتردد في التوجه نحو التعليم المهني، واكتساب الثقافة المهنية اللازمة لذلك، فالطفل في سنواته الأولى يملك بوادر اختيار مهني يمكن أن يؤثر عليه وعلى اختياراته المستقبلية، ومن الخطأ أن نظن أن هذه الاختيارات المهنية وقتية سرعان ما تنتهي بتقدمهم في العمر. فهي ترافقهم لمراحل لاحقة من العمر، حيث قد تصبح لدى بعضهم هواية ينفذها في البيت، فيصلح الأجهزة، ويبتكر بعض التصاميم المفيدة. وهذا يدل على أن حب المهنة الذي اكتسبه في السنوات الدراسية المبكرة قد أثّر فيه ورافقه في مراحل حياته المختلفة؛ لذلك فقد تكون برامج التوعية المهنية المبكرة لهؤلاء الطلاب وسيلة قوية وفعالة لإخراج جيل أكثر فهما وإيجابية للعمل والإنتاجية في المستقبل القريب أو البعيد.

لذا، علينا نحن كآباء ومعلمين أن نساعدهم على تنمية ميول الأبناء وقدراتهم، وتحفيز التفكير المهني، وعلى بلورة الأهداف المستقبلية والأحلام التي تحيا في خيالهم لتكون واقعاً وحقيقة يعيشون تفاصيلها في المستقبل القادم.

أهداف برامج التوعية

ما هي الأهداف المرجوة من خلال ضخ برامج التوعية المهنية في المجتمع؟

- إن برامج التوعية المهنية المبكرة للطلاب في المرحلة الابتدائية تعتبر بداية الطريق إلى المستقبل الواعد. وفيما يلي أهم أهداف برامج التوعية المهنية المبكرة للطلاب:

أولا: الشعور بالأمن: حيث إن التفكير في الغد بروح إيجابية، واليقين بأن هناك فرصة أو فرصاً كثيرة متاحة للطالب يساعد على الاستقرار النفسي، والشعور بالأمن، والأمان، مما يولد لدى الطالب ثقة في النفس وثقة بالمجتمع، وثقة بنفسه نحو مستقبل يضمن له مهنة أو رغبة في عمل معين يفكر فيه.

ثانيا: تعزيز الاتجاهات نحو العمل المهني: بعيداً عن تدليل الأهل من ناحية، وتنمية الروح الإيجابية نحو العمل والإبداع، فأي عمل مهني يتسم بالإبداع والابتكار، وهذا يفيد الطالب في الاتجاه نحو عمل مهني يتسم بالتجديد والابتكار، والتفكير بمستقبل أفضل.

ثالثا: زيادة الحصيلة المعرفية المهنية عند الطلاب: حيث إن التوعية المهنية المبكرة توسع من آفاق الطلاب الثقافية حول المهن وطبائعها ومستوياتها ومردوداتها على الأفراد ومجتمعاتهم.

رابعاً: برامج التوعية المهنية توضح طريق العمل الشريف: إن برامج التوعية المهنية يمكن أن توضح للطلاب أفضل الطرق للكسب الشريف، وأهمية العمل من أجل الحياة الشريفة، مما يجنبهم الوقوع في مشكلات الاحتيال والسرقة والنصب وغير ذلك..

بنظركم: هل التخطيط المهني ترف أم ضرورة؟

- من المؤكد أنه لا يمكننا أن نفصل كثيرا بين حاجة المجتمع إلى التخطيط التعليمي وبين حاجته إلى التخطيط المهني. حيث يجب أن يقترن التخطيط المهني بالتخطيط التعليمي، ويتم هذا الاقتران من خلال التعرف على ماذا يريد المجتمع من التعليم؟ أو كيف يحقق التعليم للمجتمع ما يريده؟ ويمكن أن يتم الاقتران بين النشاطين السابقين عن طريق توضيح العلاقة بين ما هو موجود فعلا من المتعلمين وما هو متاح في عالم الواقع من الناتج القومي من خدمات وسلع وغيره، ويتيح هذا الإجراء الفرصة للتعرف على الأسلوب الذي يتم به تغيير بنية التعليم في ضوء معدلات النمو الاقتصادي. وقد يتم الاقتران بين التخطيط التعليمي والتخطيط المهني بطريقة عكسية لما سبق، فيحدث أثناء الربط بين حاجات المجتمع من التعليم وزيادة الطلب على التعليم. كما يتم على أساس وضوح العلاقة بين التعليم والتنمية الاقتصادية، والمهارات والمعارف المتاحة عبر أجهزة التربية والتعليم والتدريس المختلفة داخل البلاد. إذ من المعروف أن تخطيط القوى العاملة هو عبارة عن عملية يتم من خلالها حصر وتقدير موارد المجتمع من القوى البشرية ثم توجيهها نحو القطاعات الاقتصادية المختلفة لتحقيق التنمية الشاملة في الوقت المناسب وبالتكلفة المناسبة. وهو بهذا يبنى على التخطيط التعليمي. بينما نجد أن من خصائص التخطيط المهني أنه يبنى على أساس التوعية المهنية للأفراد وتصنيف المهن وتوصيفها بحيث تسهم التوعية المهنية في ربط مخرجات التعليم بالمهن المتاحة بالمجتمع من جهة، وتتطابق مواصفات هذه المخرجات مع هذه المهن قدر الإمكان.

وتتضمن عملية توصيف المهن جانبين مهمين هما:

(1) معرفة المهن الموجودة فعلا بالمجتمع وبيان مجموعة المهارات اللازمة للعمل فيها، وأجورها وحوافزها وأهميتها للمجتمع وعدد العاملين بها.

(2) معرفة المهن التي يريد المجتمع المحلي من أبنائه إدراك دورها، وأسلوبها، لتحسين حاضره ومستقبله وبيان المهارات الخاصة بها وأهميتها والأجور والحوافز المتوقعة وعدد العاملين المطلوب لها.

ومن هنا تصبح مهمة المرشد أو المدير أو المعلم بالمدرسة توضيح معالم الطريق بالنسبة للطلاب توضيحا يتيح لهم الاستفادة من تجاربهم الشخصية حول الاختيار الأمثل للخط المهني الذي يتناسب وقدراتهم وإمكاناتهم من ناحية، والاستفادة من خبراته كمعلم أو كمرشد من خلال بيانات تصمم خصيصا لهذا الغرض تحتوي على المعلومات اللازمة حول المهن بالمجتمع وبرامج التخطيط التي تركز عليها سياسة البلاد، وأهمية هذه المهن ومستقبلها بالنسبة لهؤلاء الطلاب ومجتمعهم.

كما أن التخطيط التعليمي المهني لن يكون مجديا ومؤثراً في برامج التوعية المهنية المبكرة ما لم تراع التغيرات التقنية في الاقتصاد المحلي وتأثيراتها على سوق العمل. والتغيرات في البيئة الأسرية واختلاف أدوار أعضاء الأسرة، والتغيرات التي تطرأ على توزيع قطاع العاملين بالبلاد، وافتقار الطلاب وخاصة بالمرحلة الابتدائية إلى معرفة تقدير إمكاناتهم الذاتية من جهة، وجهلهم بسوق العمل من جهة أخرى.

كما نلاحظ أن برامج التخطيط التعليمي والمهني تتأثر كثيرا بالتطورات والتغيرات التي تطرأ على النظم التعليمية. لذلك فإن برامج التوعية المهنية للطلاب تعتبر عملية بالغة الأهمية بالنسبة لكل نظام تعليمي من جهة وبالنسبة لكل برنامج لتخطيط التنمية من جهة أخرى. فعندما تقوم المدرسة أو أية مؤسسة اجتماعية أخرى بمساعدة الأفراد الملتحقين بها وإرشادهم لاختيارات أفضل في عالم المهن، أو تزويدهم بالمهارات اللازمة للمهن، أو إعدادهم لها، ومساعدتهم على الالتحاق بها وتكييفهم لطبيعتها، فإنها تدعم هؤلاء الأفراد وتدعم خطط البلاد التنموية.

ومهما تعددت السبل فإن التخطيط المهني أصبح ضروريا للتنمية، ولذلك تتجه كثير من الدول إلى الأخذ بالمفاهيم المتطورة للتخطيط القائمة على أساس تحليل الهياكل الوظيفية في المجتمع لإحداث موازنة بين العرض والطلب في القوى البشرية، وإحداث التغير اللازم في بنية التعليم والتدريب وخططها، كما تتجه هذه الدول إلى استخدام أسلوب دراسة الحالة القائم على التخطيط لقطاعات معينة للتعرف بشكل أكثر دقة على احتياجات هذه القطاعات من القوى العاملة، أو أسلوب بناء النماذج التخطيطية البديلة، وهو أسلوب يعتمد على أساس توفير فرص العمل لكل من يستطيع العمل بالمجتمع.

لذا يتضح لنا مما ذكر أعلاه أن التخطيط المهني ضرورة ملحّة، وذلك للوصول إلى مجتمع متقدم ومنتج.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد