Al Jazirah NewsPaper Tuesday  19/01/2010 G Issue 13627
الثلاثاء 04 صفر 1431   العدد  13627
 
الغرب المتوحش والنفايات الإلكترونية
أولاديل أ. أوجونسيتان*

 

إن الأوقية من الذهب (31 جراماً) تباع الآن بما يقرب من 1150 من الدولارات في السوق المفتوحة. ويباع الوزن المماثل من البلاتين بحوالي 1450 من الدولارات. وهذه الأسعار المرتفعة تشجع المزيد من عمليات التنقيب، ولكنها لا تغطي بأي حال من الأحوال التكاليف المفروضة على صحة الإنسان - وصحة الأرض ذاتها.

على سبيل المثال، هناك الآلاف من الأطفال في مقاطعة خنان بالصين مرضى بسبب التسمم بالرصاص، وذلك لأنهم يعيشون بالقرب من أحد المرافق التي تديرها شركة خنان يوج وانج للذهب والرصاص، وهي واحدة من أكبر المجموعات التجارية على مستوى العالم في مجال التعدين.

ولكن الأسعار المرتفعة تشجع أيضاً العديد من الناس على استخراج المعادن الثمينة من المنتجات القائمة - رغم ما يشكله ذلك من خطر على أنفسهم والآخرين. والواقع أن سكان العالم يهدرون ما يقرب من عشر أوقيات من الذهب وخمس أوقيات من البلاتين مع كل طن من الهواتف الخلوية يلقون به إلى مدافن القمامة أو محارق النفايات.

وهناك معادن نفيسة أخرى تستخرج من الأرض، بما في ذلك الإنديوم، والغاليوم، والبلاديوم، والروثينيوم، يتم التخلص منها بالطريقة نفسها التي يتم بها التخلص من النفايات الإلكترونية. وكذلك حال التنتالوم، الذي يشكل المكون الرئيس الذي يدخل في تصنيع المكثفات المستخدمة في الهواتف الخلوية. إن ما يقرب من 37% من إمدادات العالم من التنتالوم تأتي من أفريقيا الوسطى، حيث ارتبط استخراج هذا المعدن بالحروب المدمرة والتلوث البيئي.

ونستطيع أن نقول إن التخلص من النفايات الإلكترونية الناتجة عن الأجهزة المتطورة تكنولوجياً في مدافن القمامة يشكل وسيلة أخرى لإعادة هذه المعادن الثمينة إلى الأرض، حيث تكون بعد آلاف السنين من الآن قد اندمجت مع الطبقات التحتية، وأصبحت مثلها كمثل أي معدن خام آخر. ولكن إلى جانب المعادن الثمينة تحتوي النفايات الإلكترونية أيضاً على مواد كيميائية سامة قوية مثل الرصاص، والزئبق، والكادميوم، ومانعات الالتهاب المعالجة بالبروم. والعواقب قصيرة الأمد المترتبة على استخدام مدافن القمامة، والحفر الضحلة، أو محارق النفايات للتخلص من النفايات الإلكترونية تشتمل على إطلاق هذه المواد الكيميائية، التي تؤثر سلباً على العمليات البيئية الإيكولوجية، والحياة البرية، وصحة الإنسان.

لأكثر من عقد من الزمان، ظلت العناصر المعدنية الثمينة في النفايات الإلكترونية تغذي تجارة مستقطبة دولياً في مواد خطرة، مع تصدير المنتجات الإلكترونية التي خرجت من الاستخدام إلى بلدان أخرى حيث العمالة الرخيصة. وهناك تعمل أمكانية استعادة جزء بسيط من الأوقية من الذهب أو البلاتين على حض المجتمعات على التهوين إلى حد كبير من المخاطر السمية والآثار الصحية الناجمة عن التعرض المزمن لمثل هذه المواد.

ويعمل تنوع السياسات التنظيمية الوطنية والدولية المعمول بها أو التي يجري تطويرها في التعامل مع النفايات الإلكترونية على تفاقم هذه المشكلة. إن الافتقار إلى الإجماع على حجم وخطورة المشكلة، فضلاً عن الثغرات في التغطية التشريعية، يعمل على تعميق المخاطر التي قد ينزلق إليها المواطنون الضعفاء الذين يحاولون كسب أرزاقهم عن طريق النبش في النفايات الإلكترونية يدوياً.

كان الهدف من إبرام اتفاقية بازل بشأن التحركات عبر الحدود للنفايات الخطيرة وأساليب التخلص منها هو ضمان تكافؤ الفرص بين البلدان التي تنتج النفايات السامة والبلدان التي قد تستهلكها. ولقد سعت هذه الاتفاقية في الأساس إلى تحييد المشاعر، كتلك التي أعربت عنها المذكرة المنسوبة إلى لورانس سامرز، رئيس جامعة هارفارد السابق ومدير المجلس الاقتصادي الوطني للرئيس باراك أوباما حالياً: «في اعتقادي أن المنطق الاقتصادي وراء التخلص من تلال من النفايات السامة في البلدان حيث أجور العمال هي الأدنى على الإطلاق منطق لا يقبل الطعن، ويتعين علينا أن نتعايش مع ذلك الأمر».

إذا كان لنا أن نجد حلولاً مستدامة لمشكلة النفايات الإلكترونية العالمية، فإن الأمر يتطلب التعاون الدولي الذي يستند إلى ما يمليه علينا الضمير الإنساني. وهذا لأن المشكلة تمتد طيلة دورة حياة المنتجات الإلكترونية بالكامل، بداية من التنقيب عن المواد الخام إلى المخاطر المهنية المرتبطة بتصنيع وتجميع هذه المنتجات والتخلص من الوحدات العتيقة أو التالفة. وفي السوق العالمية الحالية قد تشتمل دورة حياة أي جهاز إلكتروني على تجميع العمالة والمواد الخام من عشرة بلدان أو أكثر.

تندرج أغلب المقترحات الخاصة بإدارة النفايات الإلكترونية تحت واحدة من فئتين رئيستين. فالبعض قد يتعامل مع النفايات الإلكترونية بالاستعانة بواحد من المصاهر القليلة المتطورة القادرة على استرداد المعادن الثمينة من الأجهزة الإلكترونية. على سبيل المثال، تعلن مجموعة أوميكور في بلجيكا عن نفسها باعتبارها أكبر منشأة في العالم لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية، والهواتف المحمولة، وأجهزة الكمبيوتر المحمولة.

ولأسباب عديدة، لا يستطيع كل بلد أن يتحمل تكاليف إنشاء مرافق الصهر التي تعمل على المستوى الذي تزعمه شركة أوميكور لنفسها. وهذا يعني أن هذه الإستراتيجية سوف تتطلب نقل شحنات من النفايات الإلكترونية عبر الحدود. ولكن التحدي الأكبر يكمن في العمل الصعب المتمثل في جمع الأجهزة غير المرغوبة على مستوى الشارع، ثم فرز وتنسيق البنود التي يتم جمعها لتوزيعها ومعالجتها على المستوى الدولي.

ولكي يعمل هذا الأمر بنجاح فلابد وأن يتحمل مصنعو الإلكترونيات بعض المسؤولية عن تدريب العاملين في مرافق إعادة التدوير، وفي تطوير منشآت صغيرة الحجم وقادرة على العمل على المستوى الإقليمي، وفي العمل مع الهيئات التنظيمية من أجل ضمان وضع خطط السلامة اللائقة والمراقبة البيئية لمثل هذه العمليات. وفي نهاية المطاف، فإن الإستراتيجيات الفعّالة في إدارة النفايات الإلكترونية تتطلب تطوير البنية الأساسية المحلية، والتنسيق الصارم للمشاركة المجتمعية، ووضع التنظيمات الدولية التي تشجع على ممارسات التصنيع المستدامة من دون خنق الإبداع والابتكار.

*أستاذ الصحة العامة وأستاذ علم البيئة الاجتماعية بجامعة كاليفورنيا في إرفين.
خاص بالجزيرة



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد