Al Jazirah NewsPaper Thursday  21/01/2010 G Issue 13629
الخميس 06 صفر 1431   العدد  13629
 

وزارة التربية والتعليم.. (المعلم جذر التعليم وفرعه)
خالد عبد الكريم الحمد

 

يحتل المعلم مكانة سامية ورسالة ذات عمق اجتماعي استثار قريحة أمير الشعراء أحمد شوقي ليقول: (كاد المعلم أن يكون رسولا).. وعن الأم: (إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق)..

الأم التي تجاوز اليوم دورها في تربية أبنائها لتقف معلمة تربي جيلاً ننتظر أن يكون نيراً واعياً يساهم في المستقبل ببناء وطنه مشاركاً في تنميته المستدامة بدربة وفاعلية.. والسؤال هنا: هل أعطي المعلم والمعلمة من المهارة والتدريب والحافز المعنوي والمادي حقهما؟ أخال أن الكثيرين سيجيبون بالنفي!!

إن كثيراً من المعلمين يديرون ظهورهم لفصولهم بعد أن أدوا حصة لم يتلق التلميذ فيها غير غثاء كغثاء السيل.. وإذا ما أردنا تعليلاً لذلك سنجد أن الأسباب كثيرة يطول تعدادها، ومنها مثالاً لا حصراً، أن آلافاً من المعلمين لم يحصلوا على دورة تدريبية واحدة في مهارات التدريس والسلوك والتعامل مع التلاميذ منذ أن التحقوا بقطاع التعليم.. ناهيك عن عدم المبالاة، وعدم الرغبة في التطوير الذاتي بين المعلمين.. وتدني الروح المعنوية.

ومن أبرز معوقات منتج التعليم أن أسوأ المعلمين يكلفون بتدريس الصفوف الدنيا.. وتلك كارثة لم تحسب عواقبها ولم يدر بخلد القائمين على التعليم أن ثمارها الشوك والحسك، إذ يظل الطالب في ضعف مستمر حتى يحصل على التأهيل الجامعي.. ويقيني أنكم رأيتم الكثير منهم ممن يلحن إذا قرأ، ويُخطىء في الإملاء إذا كتب، ويكتب بخط بالكاد تقرأه، وما ذلك إلا لأنه تأسس تأسيساً رديئاً على يد أسوأ المعلمين. وأحسب أن الدول التي أُتيح له أن تستثمر تجاربها استثماراً مجدياً قد أدركت منذ زمن بعيد أن الصفوف الدنيا تحتاج إلى أفضل المعلمين وأقدرهم على إيصال المعلومة للتلميذ على أطباق شهية تغري الطفل بتناول المعلومة بنهم وجوع.. فصاروا لا يتنازلون عن تعليم الصفوف الدنيا بأفضل المعلمين، ويصرفون في سبيل ذلك أموالاً لا نعدمها اليوم ونستطيع صرف ما هو أكثر منها على تهيئة مثل أولئك المعلمين بلا حاجة إلى مال ولا شعور بالخسارة على بذله.

إن التربية عملية معقدة ومتداخلة فهي مزيج من المعلومة والمهارة والسلوك والشخصية المؤثرة والإمكانات المبدعة الكامنة عند التلميذ التي تنتظر استظهارها وزرعها في أرضها الخصبة لتثمر وتُؤتي أكلها يانعة مفيدة، وتلك عملية وربي لا يقدر عليها معلم تخرج للتو من كلية المعلمين مهما أُوتي من الذكاء والتحصيل العلمي، فهو يحتاج بعد تخرجه سنوات طويلة من التدريب والمتابعة والمهارات وتنمية السلوك لتربية الطفل والتعامل معه والقدرة الفائقة على إيصال المعلومة للطفل قبل أن نزج به في فصل جاء تلاميذه من بيوتهم.. فالمعلم محور العملية التربوية وركيزتها.. وبدون معلم متمكن لا تحقق العملية التربوية أهدافها.. ومن هنا فإن تأهيله تأهيلاً كافياً لتحقيق أهداف التربية والتعليم يظل هدفاً أساساً للهدف الأسمى.. ولأجل ذلك أولت كثير من الدول هذا الجانب جل اهتمامها، ففي بريطانيا مثلاً لا يدخل المعلم حقل التعليم بعد المرحلة الجامعية إلا بعد ثلاث سنوات من التدريب والتأهيل.

على صعيد آخر لا يزال المعلم بمدارسنا في كافة المراحل يعتمد على التلقين والحفظ، في الوقت الذي يتطلب واقع العصر أن يقوم التعليم على طرق إبداعية لا تلتفت للثقافة التعليمية السائدة المقبولة كواقع مستقر، فالثقافة التعليمية السائدة قوة ترويض لاتباع المألوف الذي يتم بلا عناء.. وحيث تعودنا التلقين والحفظ، فإن مواجهة تغييرهما مسألة شاقة، فمن يتقاطرون للإبقاء عليهما أكثر بكثير ممن ينادون بمواجهتهما بالطرق الإبداعية التي تنمي التفكير والقدرات الفاعلة في التحليل والاستنباط، ولا جدال فالبون شاسع، فما نتعلمه بالحفظ والتلقين ننساه إن لم يكن بعد أشهر فبعد سنة، أما ما نحصل عليه من مهارات لتنمية تفكيرنا وقدراتنا الإبداعية فسيظل معنا ما حيينا.. وإذا ما سلَّمنا بأن الثقافة التعليمية السائدة - ثقافة الحفظ والتلقين - هي الواقع الذي لا يقبل التغيير والنقد، فإننا سنظل كمن يراوح بين حركة قدميه إلى الأمام وإلى الوراء واقفاً في مكانه لا يتقدم، أقول: وحتى نغيّر في الثقافة التعليمية لا بد أن نبدأ بتغيير المعلم، في قدراته وتفكيره ومهاراته بله وزرع روح الولاء لوطنه في القرار البعيد منه.. تلك الروح التي تضبطه بأن لا ينظر إلى ساعته في الحصة ليتخلص من تلاميذه حتى ولو بدقائق من انتهائها.. يقول د عبد العزيز العمر عن ضعف منتج التعليم في مقال له بجريدة الجزيرة عدد الأحد 19-12-1430 هـ، «تعليم لا ينتج تعلُّماً»: (لقد وجدت خلال فترة تفرغي العلمي معياراً تربوياً عالمياً معروفاً يقيس جودة التدريس.. استخدمت هذا المقياس العالمي بعد تقنينه على بيئة المدرسة السعودية لأتعرف بنفسي على جودة ما يقدمه معلمونا لطلابنا في جانب من جوانب التدريس في عدد من مدارسنا.. وكانت النتيجة المحزنة والمفزعة أن مستوى التدريس الذي يحصل عليه طلابنا بحسب ذلك المقياس العالمي كان متدنياً ومخيباً للآمال).

ويقول عبد الرحمن السدحان الكاتب المخضرم في هذه الجريدة بزاويته الرئة الثالثة: إنه تساءل قبل نحو اثني عشر عاماً في مقال «عما أعددناه لإصلاح منظومتنا التربوية لمواجهة تحديات اليوم والغد».. ولعله أراد أن يقول وأقول معه إن التساؤل لا يزال قائماً اليوم، ماذا نعد وسنعد.. وماذا عسانا أن نفعل لأجيال قادمة نحمل اليوم هموم مستقبلها؟!!، وسنحاسب إن لم نبن لها مستقبل وطن وأمة.

ولا أريد هنا أن أستفز معلماً أو مسؤولاً، حين أقول إنه في السنوات الماضية أضحت كليات المعلمين طريقاً مختصراً للتوظيف السريع يلتحق بها الطلاب الذين ليس لهم جَلد وصبر على مواصلة التعليم، وعلى حد قول أحدهم أصبحت كليات المعلمين وظيفة من لا وظيفة له.. وذات نقاش قال أحدهم بأنه لم يجتز اختبار القدرات بين المتقدمين من خريجي كليات المعلمين لوظيفة معلم غير 40?.. وإذا كان الراوي متأكداً من معلومته فعلى قول الشاعر:

إن كنت تدري فتلك مصيبة

وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

إن المعلم استثمار وطني وثروة هائلة ترتبط بمدخراتنا المستقبلية من حيث هو محرك للمعرفة ومستنبت لها في الأجيال التي نعوّل عليها بازدهارنا ومواكبة تحديات المستقبل التي لا نستطيع اليوم أن نقدر حدتها وعنفوانها، ولكننا نستطيع أن نهيئ لها ببناء المعلم بناءً متيناً وفاعلاً في التربية والتعليم.. وقد لا يفوت على أحد أن المعلم جذر التعليم وفرعه وعلى تأهيله ودربته ومهارته يتأسس الطبيب والمهندس والاقتصادي والإداري وغيرهم ممن تقوم عليهم التنمية بأبعادها الاجتماعية، الاقتصادية، والإدارية، فما من طبيب أو مهندس أو اقتصادي أو إداري ناجح إلا نتاج معلم نجح في مهنة هي أسمى المهن.. ولعلك لم تنس معلماً من المعلمين مرّ عليك في حياتك الدارسية قد حبب إليك مادته حتى أصبحت من المميزين فيها، وآخر فشل في أن يربطك بمادته فأصبحت إلى اليوم تكرهه وتكره المادة التي علمك إياها، وما ذلك إلا لأن الأول ماهر متمكن ومؤهل، والثاني لم يؤهل تأهيلاً كافياً لتوصيل المعلومة وتبسيطها لطلابه.

ومن المؤكد أننا لن نحصل على معلم كفؤ يساهم في دفع مسيرة التعليم بتأهيل واقتدار، إلا بالتدريب المستمر والمتابعة لاحتياجات المعلم المهنية وتقييمه سنوياً تقييماً حقيقياً يسبر قدراته ومهاراته ومقدار ما حصل عليه من التطوير في أدائه وسلوكه تقييماً يتبرأ من التقييم المستخدم حالياً بالمدارس براءة الذئب من قميص يوسف، ذلك التقييم الذي تكون نسبة الحاصلين فيه على تقدير «ممتاز» ضعف الحاصلين على تقييمات أدنى.. ولا أبوح لكم بسر أن زوجتي المعلمة عندما حصلت في التقييم السنوي على 96% كانت قلقة ومستاءة لأنها لم تحصل على 99%.. وهو أقل ما تستحقه في تقديرها هي لأدائها.. وقد استغربت كثيراً لقلقها واستيائها، غير أنني لا أظن أن هذا الشعور الذي لمسته عند من أعرف هو استثناء مما لا أعرف.. فالظن أنه شعور عام وتقييمات لا معنى لها ولا تحقق هدفاً إذا كنا نؤمن أن الهدف من التقييم هو سبر قدرات المعلم وأدائه من أجل تنمية قدراته وتطوير أدائه، فهدف التقييم ليس ترضية المعلم بإعطائه تقدير ممتاز، ولا طرده من وظيفته بحصوله على تقدير مقبول، وإنما لمعرفة قدراته وأدائه ومهاراته وتلمس مواطن الضعف والقصور عند المعلم من أجل تنمية قدراته وإكسابه معارف ومهارات عالية لتحقق العملية التربوية أهدافها، بل ومن أجل أن ندفع بمسيرة التعليم إلى آفاق واسعة مضيئة.. ولنسأل كما بدأنا بالسؤال وهو: هل نستيقظ ونواجه التحديات.. أم نسترخي ونتكىء على المألوف؟!!.. أحسب أنكم تعرفون أنني لا أملك الإجابة.. وإنما هي عند القائمين على التربية والتعليم.. أما تحريك الراكد في الثقافة التعليمية السائدة من خلال تأصيل النقد الإيجابي الرامي لاستشراف مستقبل التطوير والنمو.. فأحسب أنه واجب من يملك رؤية تفتح للقائمين على التربية والتعليم أفقاً جديداً.

k-alhmad@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد