Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/01/2010 G Issue 13631
السبت 08 صفر 1431   العدد  13631
 
الجائزة الدولية للأمير سلمان: تتويج لمأسسة العمل التطوعي
د. زهير الحارثي

 

السعوديون بفطرتهم، لديهم ميول غريزي إزاء الأعمال الخيرية، مثلهم مثل أجدادهم ذوي الفطرة النقية، فكانوا أولئك مسالمين ومتناغمين ومتصالحين مع أنفسهم ومع ما حولهم من دون تصنع أو تشنج، فما كان منهم إلا تجسيد معاني التآلف والإخاء والتسامح والأجواء المملوءة بالرقة والحنو والسمو وألحان السكينة، ولعل وجود العشرات من المنظمات والمؤسسات الخيرية السعودية المنتشرة في داخل وخارج المملكة دلالة واضحة على هذا المنحى، حيث يكمن هاجسها في تقديم المساعدة والمعونة لكل من يحتاجها، ومن يزور المملكة يلحظ إلى أي مدى وصلت العدالة الاجتماعية وروعة الصور التكافلية التي تجسد ملامح الإخاء والتعاون والعطاء، مما شجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية.

وفي هذا السياق ومن عمق الوطن، يأتي اسم سلمان بن عبدالعزيز كقامة وطنية، ولأنه رجل دولة وخبرة تراكمت واعتصرت فيها تجارب سنين، فإنه من الطبيعي أن يحمل قلبه الكبير هموم الجميع، فيتألم لأنين الضعفاء والمساكين، ويدمع لحاجات اليتامى والمعاقين، قلب مغلف بالحب والحنان والعطف وينبض بالبذل والسخاء والإحساس بالمحتاجين والفقراء، فكان هو بحق سلمان الخير وأمير العمل التطوعي، لأن لديه إرادة جادة وصادقة وحرة، تهدف للمنفعة الجماعية ونصرة المستضعفين.

وإذا كان من مبادئ الشريعة دعوتها للتكافل والعدالة الاجتماعية وحثها على البر والتقوى والصدقة، وذلك من أجل تحقيق توازن في المجتمع، فإن هذا الأمير جاء ليرسخ تلك المعاني ويترجمها على ارض الواقع، وهو يفعل ذلك تبرعاً دون منة أو انتظار إطراء أو مديح، بل ابتغاء مرضاته سبحانه وتعالى، وخدمة وطنه وشعبه.

ولعل العمل التطوعي من أجل الخير تجربة تعكس رقياً حضارياً وإنسانياً، وتبلور شعوراً فريداً يكمن في تسخير الشخص نفسه طواعية لمساعدة ومؤازرة الآخرين، وهي مساهمة بمبادرات لفعل الخير، انطلاقا من الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين، لتصبح في نهاية المطاف فضيلة من الفضائل السامية، فيسعى إليها الإنسان ويقدرها المجتمع، وقد فعلها سلمان بن عبدالعزيز كرغبة وهاجس، فتحولت بقدرة قادر إلى نموذج وقدوة يحتذي به الآخرون.

إن منح هذه الجائزة الدولية لسمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز هي شهادة تقدير وعرفان بدوره التطوعي والإنساني، وأنه يحمل في أعماقه أعلى درجات الاهتمام والرعاية والعواطف الإنسانية، فضلا عن أنه تكريم للمملكة باهتمامها بذوي الحاجات الخاصة، لأنها موقنة بأن هذه الشريحة لها حقوق، وهم أبناؤها ويستحقون منها العناية والاهتمام.

إن رؤية الأمير في تقديري هو مأسسة العمل التطوعي ليكون مؤسسة اجتماعية، تقوم بعمل دائم ومنتج ومبتكر ومتجدد، ولعل تأسيس سموه لجمعية الأطفال المعوقين منذ ربع قرن وكذلك مركز الأمير سلمان بن عبدالعزيز لأبحاث الإعاقة وما أعلن عنه مؤخراً عن إنشاء جائزة الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة، كلها تأتي كمشاريع تطوعية كبرى ذات طابع مؤسسي لتلبي الاحتياجات الاجتماعية التي أنشئت من أجلها لا سيما أنها لا تبحث عن كسب أو ربح مادي.

غير أن طرح مثل هذه المشاريع والبرامج التطوعية لم يعد مغامرة، بل تجربة تستحق التفكير لأنها طموح وإلهام في كينونتها، ونجاحها مضمون طالما ارتبطت بالإيمان بفكرة التطوع.

إن جهود سموه البارزة والمتواصلة في خدمة المعوقين في المملكة ودعم وتشجيع البحث العلمي في مجال الإعاقة من خلال تبنيه وترؤسه ودعمه لعدد من الجمعيات الخيرية تكشف بحق عن الصور الإنسانية والكثير من الصفات والسمات إزاء ذوي الاحتياجات الخاصة، فاهتمامه بتهيئة المناخ لهم من أجل تلبية متطلباتهم لتجعلهم قادرين على مواجهة الحياة بل ودمجهم في مجتمعهم بشكل منتج وفاعل، هو سلوك أبوي تتجلى فيه رمزية العطف والثقة فمن جهة هناك حنو الأب صاحب القلب الكبير، ومن جهة أخرى اعتداد بقدراتهم لخدمة وطنهم، فما أروعها من معادلة وما أجمله من وطن.

- عضو مجلس الشورى وعضو جمعية المعاقين



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد