Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/01/2010 G Issue 13631
السبت 08 صفر 1431   العدد  13631
 
عفة النفس والفلاح
د. عبد الرحمن بن سليمان الدايل

 

ترتبط سمات الناس بسلوكهم وأفعالهم وما تقترفه أيديهم في هذه الحياة، وقد حرص الإسلام على أن يكون أبناؤه صادقين في أقوالهم، مستقيمين في أفعالهم، فهم أتباع الدين الخاتم والرسول الخاتم الذي جاء ليتمم مكارم الأخلاق، فجعل الخلق القويم والسلوك المستقيم مصدر عزة للمسلمين، ومنبع اعتزاز لهم في حياتهم، وقد أثبت الحق تبارك وتعالى القوة للمؤمنين (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ).

وقد عرف المسلمون على مدى الأزمات بعزة النفس وعلو الهمة وصلابة الإرادة، فكانت أقوالهم وأفعالهم مصدر إعجاب غيرهم من الأمم الأخرى، فدخلت محبتهم إلى قلوب البشر ونشروا دين الله بسلوكياتهم الصادقة وأقوالهم السديدة وكانوا سفراء ورعاة لدين الله حين كانت نفوسهم تترفع عن الدنايا، ولا تزيغ عواطفهم أمام بريق الدنيا أو لمعان شهواتها، فقد ارتفعت نفوسهم، لما يرجونه عند الخالق سبحانه، وما يأملونه من نعيم دائم في الآخرة، فظلت نفوسهم عفيفة في الدنيا، لا تعرف ألسنتهم غير الحق ولا تنطق إلا الصدق، وأصبح سلوكهم عملاً صالحاً يتسارعون في الخيرات، ويتسابقون نحو ما يرفع درجاتهم فلم يروا في هذه الدنيا غير مزرعة لآخرتهم ومعبراً إليها فعفت أنفسهم، وصفت سريرتهم، ولم تمتد أيديهم إلى ما لا يمتلكون مهما كان فيه من إغراء دنيوي، لأنهم يطمحون فيما هم به موعودون من نعيم باق لا يزول.

ولقد سجل التاريخ للمسلمين قصصاً مشرقة ومشرفة في عزة النفس وطموح الهمة وعلو الإرادة، والترفع عن الكسب غير الحلال، والحرص على اتقاء الشبهات، فقد كان منهجهم الكسب الحلال الذي ضبطوا إيقاع سلوكهم به وفق قوله سبحانه (كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، فطعموا من حلال وشربوا من حلال، وتجنبوا بعزة أنفسهم أن يطعموا أنفسهم أو أهليهم من حرام، واضعين نصب أعينهم أن (كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به)، وهكذا كانت تعاليم الدين الحنيف رافعة لهمتهم، حارسة لسلوكهم، حافزة لعفة نفوسهم، مولدة للضبط الذاتي أفعالهم فقد راقبوا الله عز وجل في السر والعلن، وبذلك سادوا الدنيا بحسن أخلاقهم، وكريم أفعالهم.

ومع دخول الدنيا بزخرفها أقبلت مفاتنها على الناس فمنهم من تجاوب معها ونسي في زحمتها أن عفة النفوس الآبية هي التي تتأبى عليها الضعف أمام المفاتن والزيغ مع الأهواء، بل تترفع بهم عن لهو الدنيا وزينتها، وتبتعد بهم عن الكسب الحرام، فعفة النفس ترفع أصحابها نحو سمو الخصال، والقناعة بالحلال، والقيام بتبعات المسؤولية الملقاة عليهم من مجتمعهم.

فما مصير أولئك من ضعاف النفوس؟ إن مصيرهم لا يقتصر عليهم فقط، وآثار سلوكهم المشين لا تقف على حدود تصرفاتهم، فآثار أفعالهم تنال من حولهم من هم في حاجة لخدماتهم ويأملون في إخلاصهم ووفائهم لأماناتهم، إن ضعاف النفوس الخائنين للأمانة، التي أوكلها إليهم المجتمع في شخص ولي الأمر، وكان ينتظر المجتمع منهم إخلاص العمل وتحمل تبعات الأمانة ولكن زاغت أبصارهم فخانوا أماناتهم، ولم يراعوا واجبات الأمانة ومسؤولياتها وثقة ولي الأمر في تكليفهم بشرف المسؤولية، إن أمثال هؤلاء في حاجة حقيقية للحسم والحزم لأن جرمهم لا يقف أثره عليهم أو تقع نتائجه المشينة فوق رؤوسهم وحدهم فقط، بل راحت ضحية سلوكهم أرواح بريئة ناهيك عن مشروعات ظهرت عيوبها التي أفصحت وبجلاء عن عيوب كامنة في النفوس وضعف خفي في عزة الأنفس التي كان يجب أن تراقب الله في السر والعلن ثم تضع في الاعتبار ثقة غالية أولاها إياهم قائد الأمة الحريص على رخائها ونهضتها وسعادة أبنائها.

إن كل مسؤول في أوطان المسلمين مطالب أن ترتقي نفسه وتعلو همته لينال شرف خدمة بلده بكفاءة ينال بها السمعة الطيبة في الدنيا ورضا رب الخلق سبحانه يوم الحساب.

إن كل من تولى أمراً وتحمل مسؤولية يجب أن يضع في اعتباره عزة نفسه وعفتها في التعامل مع مهام مسؤوليته ليؤديها بأمانة، فلا يجعلها سبباً للتربح غير المشروع، وعليه أن يضبط سلوكه على هدي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما (بعث معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن فأرسل في أثرة فلما جاءه قال له: أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئاً بغير إذني فإنه غلول، ومن يغلل يأتي بما غل يوم القيامة، لهذا دعوتك، فامض لعملك) رواه الترمذي.

وهكذا تكون الأمانة وتكون عفة النفس وعزتها (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ).

والله من وراء القصد..

- وكيل وزارة الثقافة والإعلام سابقا





 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد