Al Jazirah NewsPaper Saturday  23/01/2010 G Issue 13631
السبت 08 صفر 1431   العدد  13631
 
السفر براً نعمة.. أم نقمة؟
د. وسمية عبد المحسن المنصور

 

كثيراً ما أتساءل ما الذي يبرر ارتفاع أسعار الفنادق والشقق السياحية في بلداننا؟.. فأهل مكة أدرى بشعابها فلا مناظر طبيعية تطل عليها، ولا مراكز ترفيهية تغري، ولا طبيعة بشرية تتعاون مع جهود المسؤولين الذين يسعون جادين بتفتيق مجالات أرحب للسياحة الداخلية، لكن الوعي الجمعي ما زال متخلفاً عن طموحات هيئة السياحة، ما يؤلمك أن تشهد افتتاح حديقة جديدة أو متنزهاً صُرف على إنشائه مبالغ طائلة ولا يكاد يمضي يوم الافتتاح إلا وأصابع التدمير قد نالت من المقاعد والكتابة على الجدران.. أما الخدمات الحيوية كدورات المياه فحدِّث ولا حرج.

الحديث عن السياحة الداخلية يقودنا إلى السفر براً ولم يعد السفر اليوم موسماً مقيداً بالعطل الدراسية، أو المناسبات الدينية كالأعياد والحج، فالحياة المعاصرة أحالت السفر مفردة من مفردات الجدول اليومي لا أدل على ذلك من الضغط على الحجوزات في الفنادق وشركات الطيران وارتفاع كلفتها ارتفاعاً يثقل على ميزانية الأسر ذات الدخول المتوسطة فما بالك بالمتدنية؟.. فليس لهم إلا السفر براً.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ).. السفر براً نعمة، أنت تقف متى ما تريد تتأمل بهدوء، لك أُنس فيمن يعبر الطريق ماراً بك وإن لم تكن على معرفة به، أنت صاحب القرار، وأنت المسيطر على ميزانيتك المالية، وآمن على أمتعتك من التخلف أو الضياع، وأمور أخرى كثيرة تجعل السفر براً متعة، لكن وآه من لكن.. هل نأمن الطريق؟ وهل نطمئن إلى تلبية احتياجاتنا؟

لطرق السفر المعبدة أهمية حضارية، ومقياس طولها يحسب من رقي الأمة، والمملكة العربية السعودية تنعم بطرق رائعة معجزة، فمن تجول في منطقة عسير لا يتوقف عن قول سبحان الله وهو يخترق تلك الجبال يغمض العين هولاً وإعجاباً وغير ذلك من تلك الشرايين السوداء التي ربطت جنبات الروح في جسد مملكتنا الحبيبة ولكن تلك الطرقات تحتاج إلى كثير من الخدمات ليصبح السفر البري متعة.

المسافر - منفرداً - أو في صحبة، رفاق أو أسرة لا يستغني عن محطات استراحة على طرق السفر الطويلة، والمحطات لا تعني فقط محطات التزود بالوقود أو بقالة على أهميتها.. فكل ذلك متحقق والحمد لله في كل المحطات، وفي رأيي أن الخدمات الشخصية من دورات مياه صحية نظيفة لائقة مطلب إنساني حيوي ضروري، ولا بأس أن تقر رسوم مالية على مستخدم دورات المياه على الطرقات، إن حصيلة هذه الرسوم ستغطي الإنفاق على العمال المسؤولين عن نظافتها والعناية بها.. كما أن المستخدم لها سيراعي ذلك عند استخدامها فهو مسؤول بطريقة أو أخرى، وإنني لأعجب كل العجب من الغرب كيف تربى مواطنوه ورواده على أهمية المرافق الحيوية مثل دورات المياه؟.. ونحن في بلداننا الإسلامية ما زال منا من لا يكترث بالنظافة وحق الآخر والإحساس بقيمة الإنفاق الذي تبذله الدولة.. في القرن التاسع عشر قال أحد المفكرين وهو الشيخ محمد عبده عندما زار الغرب: لقد رأيت الإسلام ولم أر المسلمين.. وفي بلادنا الإسلامية رأيت المسلمين ولم أر الإسلام، وكان قصده الاستغراب والإعجاب بالالتزام الذاتي للفرد بالنظافة والحرص على الممتلكات العامة وتربية النشء على أنها كالملك الخاص يجب الاهتمام بها والمحافظة عليها، وأين نحن من هذا اليوم وبعد أكثر من قرن كامل.. لقد رأيت في منتزهات عسير أمراً عجيباً أن عمال النظافة في كل شبر في الأودية وعلى قمم الجبال ولكن الوعي بقيمة عملهم وأهميته غائب عن كثير من الأسر فكأنما الأمر لا يعنيهم.. ومثله على طرق السفر الممتدة.

من يتوقف للاستراحة أو لأي غرض من أموره كإصلاح سيارته فآخر عهده بالمكان عندما تنتهي حاجته لا يأبه لما خلف وراءه من نفايات وقَذَر يؤذي من يأتي للمكان بعده.. الأمر يحتاج إلى توعية وطنية مكثفة في المساجد والمدارس ووسائل الإعلام بل على الطرقات والمطارات والطيارات وكل مكان يمر به المسافرون أو يرتادونه، ولا أبالغ إن قلت إن الأمر يحتاج إلى عقوبة رادعة لكل من يسيء استخدام المرافق الحيوية فمن أمن العقوبة أساء الأدب.



Wasm50@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد