Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/01/2010 G Issue 13632
الأحد 09 صفر 1431   العدد  13632
 
أما بعد
ثقافة العمل الحكومي وما خفي أعظم..!
د. عبد الله المعيلي

 

مؤشرات التسيّب التي أفصح عنها ديوان المراقبة مؤخراً، حول درجة انضباط حضور موظفي القطاعات الحكومية وانصرافهم لم يكن مفاجئاً، ولا مستغرباً، لأن هذه المؤشرات ليست وليدة البارحة، بل هي نتاج تاريخ متراكم من الإهمال والتسيب، تأصل مع توالي الأيام، وترسخ حتى غدا ثقافة مألوفة وظاهرة عامة في جل الأجهزة الحكومية وإداراتها، ونظراً لشيوع هذه الثقافة وترسخها أضحت لا تثير انتباه الرؤساء ولا غيرتهم، ولا تحرك ساكناً في إيقاظ المرؤوسين من غفلتهم وعدم مبالاتهم.

والمؤسف أن الحقيقة أسوأ مما دلت عليه هذه المؤشرات الإحصائية، لأن هذه المؤشرات مجرد وصف لأيام معدودات عشوائية تتم بين حين وآخر، وهي لا تعكس ما يجري فعلاً في دواوين الإدارات الحكومية، فليس بخافٍ أن الواقع أعقد من تأخر الموظف أو غيابه، فعطفاً على هذه الحال غير المقبولة شرعاً ومنطقاً، تتجلى حال لا تقل خطورة ولا مأساوية، ألا وهي مدى فاعلية الموظف ومستوى إنتاجه وكفاءته وعطائه، فالملاحظ أن البعض موجود فعلاً في مكتبه، لكن ما مدى فائدته؟، وما مقدار إنجازه؟ وهل يؤدي عمله وفق متطلبات العمل وواجباته؟، الجواب يتجلى واضحاً متواتراً في عبارات يعرفها كل من يتردد على أجهزة العمل الحكومي، فصارت ثقافة عند الموظف، وقاعدة في أدبيات العمل الحكومي، ألا وهي «تعال غداً»، و فلان غائب «تعال بكرة» وغيرهما من عبارات التسويف وعدم المبالاة.

ولتجاوز ثقافة التراخي والتثاقل والإحباط والإهمال في العمل الحكومي، وهي بالمناسبة ثقافة تتنافى تماما مع قيم الإسلام والإنسانية عامة، ومع أبسط معايير الأداء وضوابطه في ممارسة أي عمل كان، لتجاوز هذه الثقافة لابد من بذل جهد كبير وكبير جداً للتغلب على مظاهر الإهمال التي يبدو أنها أضحت من لوازم الأداء في أدبيات العمل في القطاع الحكومي، ولابد من العزم على تنظيم أساليب المتابعة وضبطها، وإجراءات المراقبة وتفعيلها، والمبادرة في تطبيق نظام المحاسبة الحازمة دون مواربة أو تردد.

والدليل على أن الأمر يمكن السيطرة عليه وضبطه، وأنه بالإمكان تطويع الموظفين وإلزامهم بواجبات الوظيفة وقيمها والتي يأتي في مقدمتها المحافظة على الدوام من بدء الساعة المحددة حسب النظام، والخروج كذلك في الوقت المحدد، الدليل على ذلك يتمثل في المؤشرات المنخفضة جداً لغياب موظفي وزارة الخدمة المدنية وتأخرهم، هذه الوزارة التي تعد مضرب المثل في الانضباط الواضح بالوقت، واستثماره بصورة مميزة، ليس هذا فحسب بل في التنظيم المحكم للمعاملات وسيرها داخل أروقة الوزارة، هذه الوزارة استطاعت أن تشعر موظفيها بقيمة احترام الوقت، والانضباط فيه، فصارت ثقافة متأصلة متواترة معروفة عند كل العاملين في هذه الوزارة ومن يتردد عليها.

والأخطر مما ذكر في ثقافة التسيب وعدم المبالاة في القطاع الحكومي، أن التسيب والتكاسل وعدم الجدية صارت عوامل جذب وتفضيل للعمل في القطاع الحكومي، وهذا مما جعل العمل في القطاع الخاص يتأخر في سلم التفضيل والأولوية لدى الباحثين عن العمل، لأن العمل في القطاع الخاص معروف بالجدية والمراقبة الدقيقة والمحاسبة، وأن كل دقيقة فيه ذات قيمة وتأثير على الإنجاز والكفاءة في أداء العمل، وهذا يقتضي من العامل وجوب الانضباط في العمل، والمواظبة على الدوام والحرص عليه وفيه، وهذا أمر يتعذر على البعض، طالما أنه يوجد مجال وبيئة لبذل جهد أقل وبمزايا أكبر. إن المحافظة على الوقت واستثماره يعد من لوازم حياة الإنسان المسلم، لأنه يدرك أنه محاسب عن كل ثانية تمر في حياته، كيف قضاها؟ وفيمَ قضاها؟ فهل نستشعر مدى خطورة تضييع الوقت والإهمال فيه؟




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد