Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/01/2010 G Issue 13632
الأحد 09 صفر 1431   العدد  13632
 
المنشود
قيادة المرأة للسيارة والتوجسات!
رقية سليمان الهويريني

 

من عايش أو قرأ عن بدايات تعليم المرأة في المملكة وما رافقها من رفضٍ تامٍ للفكرة؛ يدرك مدى الحكمة وبعد نظر الحكومة في تدبير الدولة والتعامل مع القرار بالتدرج، ومداراة العامة وأنصاف المتعلمين آنذاك حتى يقتنعوا به ويصبح مقبولاً لديهم، وعمدها لتعيين مشايخ لإدارة رئاسة تعليم البنات ليحكُم الغطاء الشرعي تعليمهن بالذات.

أقول من عايش تلك الفترة يدرك إدراكاً تاماً أن رفض البعض لقيادة المرأة للسيارة هو مسألة وقت ليس إلا! وهذا الوقت يتطلب التعامل معه بحكمة مثلما حدث في بدايات تعليم البنات، حيث كان الاختيار الذاتي هو الفيصل، فمن يرغب بتعليم بناته فالمدارس مفتوحة، ومن رضي لهن الجهل فهو حسبه! والآن أجزم أنه لا يوجد رجل يكتفي لابنته أو أخته حدّا معينا للتعليم، عدا عن المنافسة بالتعليم العالي، وامتد الأمر للابتعاث الخارجي. وأسدل الستار عن حقبة تاريخية غاية في الظلام!

ومن هذا المنطلق تأمل كثير من السيدات أن يُفتح الخيار لأمر قيادتهن السيارة، لا سيما أن بدل المواصلات ما زال يقبع عند حد ستمائة ريال للموظف سواء الرجل الذي يقود سيارته بنفسه، أو المرأة التي تحتاج لسائق ينقلها بتكلفة تزيد على ألفي ريال شهرياً، وكان ينبغي زيادة بدل المواصلات للمرأة حتى ألفي ريال مع الأخذ بالاعتبار ما تتعرض له سيارتها من تلف، ناهيك عن التعامل المباشر مع رجل أجنبي لا يفصلها بالجلوس عنه إلا عدة سنتيمترات! مع احتمال انتشار رائحة عطرها أو تحدثها بالجوال بموضوعات خاصة.

وأصعب ما يواجه المرأة جهل السائق باللغة وعدم معرفته بالاتجاهات ورفضه التعليمات! وبحكم أنه رجل فهو يسرح في الشوارع ويغلق جواله فلا تكاد تصل له السيدة، وقد يقوم بأعمال مخلة أو غير شرعية كتصنيع الخمور أو نسخ الأشرطة، فيقع في قبضة الشرطة أو هيئة الأمر بالمعروف! فيودع السجن ثم يتم تسفيره دون تعويض للسيدة التي تكلفت باستقدامه مبالغ طائلة تزيد على عشرة آلاف ريال للتأشيرة ومكتب الاستقدام، وهيأت له سكناً وسلمته سيارة، ثم في لحظة تجد نفسها تبحث عن سائق هارب من كفيله ليساومها على راتب بأكثر من ألفي ريال! وحين يجد من تدفع له أكثر يتركها ويذهب! وقد يضع السيارة في أي مكان دون أدنى اهتمام لتحمل المسؤولية لأنه في حكم الهارب!

والواقع أن وضع المرأة مع السائقين الأجانب مرير ومزْرٍ للغاية. ولمقتضى الحاجة والمصلحة العامة ينبغي فتح المجال والسماح لها بقيادة سيارتها بنفسها، مع تقنينه وفق اشتراطات (تطمينية) لمن يغالي في المنع دون تحملهم تبعات تلك التخوفات والمغالاة التي في غير محلها غالبا! لا سيما في ظل تواجد رجال الهيئة حفظهم الله وشهامتهم وغيرتهم ومساعدتهم للمرأة حين تتعرض لمضايقة المستهترين، مع ضرورة حزم الشرطة معهم وتأديبهم، برغم أن الأمر ليس له علاقة بالأخلاق أو السلوك. وليس للخوف مبرر حيث إن المرأة عمليا وواقعيا تقود سيارتها ولكن بأطراف شكلية لرجل لا يحمل لها احتراما ولا تقديرا عندما يتعمد تجاهل الاستماع لتعليماتها بالانعطاف يميناً أو يساراً فتراه يسخر منها لعلمه أنها لا تملك حتى قرار الانعطاف. وحين تغضب يكتفي بعبارة (ما فيه معلوم) ويتمتم بنفسه (حرمة مجنون)!

وإن كان لدى الغيورين المتخوفين من قيادة المرأة للسيارة استعداد للعمل سائقين متفرغين فإن المجال مفتوح لهم، لا سيما أهل الصلاح والتقى والعفاف والصبر ممن تأمنهم على نفسها، ويمكن منحهم رواتب أكثر من السائق الأجنبي تشجيعاً للسعودة واستمراراً للدفاع عن فكرة احتمالية فساد المرأة عند قيادتها للسيارة!

فهل أفسد التعليم المرأة، أم أنه نهض بفكرها وأشرق في حياتها؟ فهي كالمصباح، بل أشد إضاءة. ولعلنا غدا نحتفل برحيل آخر سائق أجنبي عاث ببلادنا خرابا، وأوسعها فسادا!

www.rogaia.net


rogaia143@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد