Al Jazirah NewsPaper Sunday  24/01/2010 G Issue 13632
الأحد 09 صفر 1431   العدد  13632
 
لما هو آت
طائري الحكيم..!
د. خيرية السقاف

 

تخيلت طائراً ألفته أن له عيناً لا مدى لإبصارها، وفي رأسه عقلاً لا يتوقف تفكيره، وفي جوفه قلباً بصيراً بكل ما يمر بعينيه, ومداركه، يشعر بكل لمحة، ويسمع بأذنين، لا تفر عن مجالهما همسة، ويتحدث بلسان أفهمه، وله قدرة جناحين يطوفان به حيث يوجهه ذلك العقل، وينبض بوعيه ذلك القلب.. يأتيني بعد تطواف فيخبرني:

وقفت على الشجر فسمعته ينحب، أخبرني الشجر فقال: لا يعتنون بي إلا لأنني مصدر غذائهم، فإذا الأرض تقول: وهم لا يسقونني إلا لأنني أتبنى هذه الأشجار المثمرة بما يشتهون..

طائري طار، فوقع على مرتفع يطل على فضاء مجمع سكني, يضم فيه الإنسان بيوتاً يسكنها، ومحلات يبتاع منها, وقد اكتظت بما قل وكثر, وقرب من حاجته وبعد عنها، وفاض بشهوته, ولم ينقص عن حاجته، معها مرافق للسباحة، والألعاب، والوجبات, والمشروبات السريعة, يسدد وقته ويروح عن نفسه، فقالت الأماكن والحاجات كلها للطير: متى يرعوي الإنسان؟ لقد تمادى، سخرنا حتى رمقنا الأخير, من أجل لحظة في صالحه، وثانية في عمره، هذا الإنسان جشع يستغل، هادر للوقت والمال، طامح في خواء، مبدد للثراء، فهم الطير مغزى الكلام، وأدرك أن الإنسان الثري بعقله, وصحته, وقدراته العديدة، يحسب أنه سيضحك كثيراً، فإذا بالطير يقول: ذهبت لمأواه الخاص، وقفت على شرفته فتألمت لحاله، وعلى نافذة موقع عمله فاكتشفت تفريطه، ومشيت حيث يمشي, كنت لأيام ظله، فأدركت أن الرفاهية زائلة، وأن العافية فانية، وأن الوقت ماضٍ، فأشفقت على الإنسان، وحمدت الله أن لي جناحين، أقع بهما حيث خضرة ألتقم حاجتي، وحيث ماء أرتشف قطرتي, ثم آوي حيث يكون, لأمضي ليلتي، لا خزائن لمالي، أو ملابسي، لا عمار فأسهر لإطالته، ولا أرض فأتعب لزيادتها، ولا مال فأشقى من نفاده، ولا ما أمامي, ولا ما خلفي من شئون الدنيا، حيث تأتي منيتي، أقع جثة نفدت منها الحياة، لكنها لم تنفد بغير حكمة الله فيها.

سمعت طائري يقول بلسانه: سيضحكون كثيراً, وسيبكون أكثر، لكنهم يحلمون بشكل أوسع.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد