Al Jazirah NewsPaper Wednesday  27/01/2010 G Issue 13635
الاربعاء 12 صفر 1431   العدد  13635
 
خطبة
محمد الدبيسي

 

في خطاب تاريخي شهير، أصَّل خادم الحرمين الشريفين - في لقائه بأهلنا في القصيم العزيز - الدعوة إلى الأمة بنبذ الغلو والتصنيف المذهبي والديني، وأكّد قائد الأمة على مرتكزات دينية وحضارية، وقيم تسامح وتعايش ووطنية، وحذَّر من تلكما الصفتين الكريهتين (الغلو والمذهبية)، وأكَّد على كل ما يعمِّق من معاني الوحدة الوطنية والالتزام الحقيقي بجوهر الإسلام. وتلا ذلك دعوات تبناها العقلاء من الدعاة والوعاظ والمفتون الأجلاء، وفي مقدمتهم سماحة المفتي، الذي دعا إلى الوسطية والاعتدال، واحترام قيم الإسلام العليا التي يأتي من ضمنها الاعتدال والعقلانية، وتغليب السماحة المتزنة في قبول الآخرين والتعايش معهم، على قاعدة وطنية صرفة، تعي التزام هذه البلاد بمحددات الشريعة ومقاصدها السنية.

* (رؤية) لها مما سبق دوافع ومنهج، ولها من خلاله غايات عظيمة، تغيب عن البعض، أو ربما يغيبونها قصداً، سعياً وراء نجومية فوارة، ونصر شخصي، وانفعال تؤججه رغبة في الاختلاف، وكسر النسق المعتدل، والرؤية المتوازنة، أولئك البعض لهم خطهم الدرامي المسبوك بوهن عضوي واضح ومكشوف، ولهم تكتيكاتهم وأفقهم الصغير، والكبير والخطير في نتائجه وتداعياته، من زمرتهم داعية فاضل له جهوده واجتهاداته، وله قناعاته وأهدافه، نتقاطع معها بالقدر الذي يتجاوز شرك خصوصيته، إلى عمومية التأثير، ومشترك الممارسة والتعاطي، ومن أبرز تبديات خصوصيته سعيه الحثيث إلى استقطاب الأتباع، والولع بالشهرة، واختزال المبدأ فيما يزيد من لمعانه، ليصبح شاغل الناس ونجم الدعوة الأوحد، يضجره ربما ظهور لدات في ذات المجال ويقلقه تفوق خطاب عقلاني رصين لا يحسن أدواته، ولا يملك مقوماته، في جوهر خطبه وخطاباته ما يحقق انتماءه للفكر الدعوي المشاع، غير المؤسس على وعي معرفي ديني، أو تأصيل منهجي في هذا الحقل من العلوم، تتوزعه منابر عدة، وتقدمه مناسبات متعددة، ويبادر إلى أخرى بما يملكه من أدوات وقدرات وطموح، ولا يجمع بين كل ذلك؛ إلا سيماؤه الشخصية، التي يستثمر جاذبيتها وشيوع تأثيرها، وبساطة الخطاب وليونة منطلقاته وتمحوره حول المشاع من شواغل العامة بنفس فهمهم وتكييفهم لها، وبنفس مستوى وعيهم بها. وبنفس لوازم الاستناد والاستدلال والمرجعية.

* خطبة فيها ما يقوض منهج العقلاء، وفيها ما يعزّز المذهبية، وما يتناغم مع المشاعر الصغيرة، ويخصب جذور الطائفية المقيتة، خطبة رنانة، تحلو لجوارح تضبط حساسياتها على وقع رصاص الكلام، ولا تجلب لنا إلا العداوات، وتجذير الاستقطاب، ومآلاتها - بعد هدأة الانفعالات المحمومة - خطيرة جداً، إذ تشرخ لحمتنا الوطنية، وتعزّز مبدأ المجابهة الطائفية، والانغلاق الفئوي. وتفتيت قيم المشترك، وتغليب هامش الخاص وأحاديته.

* خطبة تلقي بكل الجهود المسئولة في ترسيخ وحماية مبدأ المواطنة، والوطنية والعقلانية والوئام الاجتماعي في مهب العواطف المستعرة ودمامة الشقاق.

* الاعتدال والوسطية صار لها كراس علمية في جامعاتنا، ولها منظرون وساسة وخطباء، وقبل ذلك هي في المقام الرفيع من اهتمامات قائد الأمة وملك الإنسانية، فكيف تترك نهباً لباحثين عن أمجاد لا تتجاوز ذواتهم، وفضاء رؤاهم ومراميهم الخاصة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد