Al Jazirah NewsPaper Wednesday  27/01/2010 G Issue 13635
الاربعاء 12 صفر 1431   العدد  13635
 

الرس.. تودع رمز الجود والإحسان 1346هـ - 1431هـ

 

يقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} بقلوب يملأها الإيمان بقضاء الله وقدره.. وبدموع تفوح بحرارة الحزن ودعت محافظة الرس يوم الأحد: 9-2-1431هـ ابنا بارا وأبا كريما ورمزا من رموز الجود والإحسان في مملكتنا الغالية قلما يجود الزمان بمثله هو ذو الوجهة والوجاهة رمز المحبة والصدق والعطاء الشيخ صالح بن مطلق الحناكي بعد أن كان يشع جبينه بالنور والحنان والسماحة والندى.. ويفيض منزله بأحبابه ومعارفه من الوجهاء والضعفاء الذين يتوافدون إليه في كل مساء للسلام عليه والأنس بحديثه الجذاب وكلمات الترحيب التي لا ينفك عنها لسانه.

فقدت الرس الوجيه: صالح بن مطلق بن ناصر الحناكي.. الذي ولد في البطاح قرب الرس في شهر رجب عام 1346هـ وهو أصغر إخوانه ونشأ بها يساعد والده في الزراعة والمواشي والمداينات مع الفلاحين، ولما بلغ الثانية عشرة من عمره ولاه والده بعض الأعمال في الزراعة يقوم بها ويتاجر ويكتسب منها، وفي عام 1364هـ كان والده يملك مجموعة من المزارع في البطاح فانتقل هو وأبناؤه إلى الرس وترك العمل بالتجارة واقتصر على العبادة بين منزله والمسجد الداخلي بالرس حتى توفي في شهر ربيع الأول عام 1371هـ واستمر الوجيه صالح يعمل بتجارة والده. ويقول- رحمه الله- عن فضل والده على الأعمال الخيرية التي يبذلها (كان هذا هو دأب الوالد رحمه الله في السابق في الحرص على العمل الخيري ومساعدة المحتاجين وتلمس حاجة المدينة).

درس الوجيه صالح بن مطلق الحناكي بعد استقراره في الرس - وهو يمارس التجارة- في مدرسة المعلم عبدالله بن عبدالرحمن العقيل بالرس ومعه من زملائه: الشيخ صالح بن علي بن غصون والشيخ صالح بن عبدالله الحواس والشيخ عبدالله بن إبراهيم الغفيلي وهؤلاء أكبر من الوجيه صالح حفظوا القرآن على الشيخ عبدالله فأجازهم للتدريس فأخذ الوجيه صالح منهم ودرس عليهم القرآن الكريم مع زملائه وهم:

صالح بن حريميس الصالحي ومرزوق بن حريميس الصالحي وأبناء الخميس وصالح بن جاسر الحواس وعبدالعزيز بن محمد بن رشيد وعبدالرحمن بن صالح الرشيد.

في عام 1366هـ بعدما انتقل الوجيه صالح إلى الرس أخذ يعمل في دكان والده ويبيع المواد الغذائية والملابس والأغنام ويتعامل مع البادية والفلاحين، ولما كبر أولاده ومنهم ابنه الأكبر مطلق ودخل المدرسة العسكرية بالرس عام 1374هـ وأمضى فترة فيها رأى والده أن يتفرغ للتجارة فقام بفصله منها وأكمل المرحلة المتوسطة أسند إليه بعض الأعمال التجارية ليكون مساعدا لوالده فيها. وفي عام 1370هـ حصل على امتياز توزيع القهوة من الحبشة بعد أن قدّم الضمان المطلوب لأكثر من عامين، ثم اتجه إلى تجارة الأعلاف والمواشي والمواد الغذائية والزراعية.

في عام 1372هـ تعين الشيخ صالح مع رجال الحسبة وقت قضاء الشيخ محمد بن خزيم في الرس ومعه كل من: محمد بن إبراهيم الخربوش، ومحمد بن مجاهد الخليفة، ومحمد بن علي العقل، وعلي بن محمد العنيزان، ومحمد بن صالح الغفيلي وبقي فيها حتى عام 1375هـ وكانت أعمال الحسبة في حينه تطوعا بدون راتب من الدولة.

وفي عام 1381هـ أسس الوجيه صالح الحناكي مع مجموعة من أهل الرس شركة الكهرباء وكان عددهم (10) حصة كل واحد منهم (10.000) ريال وكان مديرها عبدالله بن محمد الشايع، وكانت الشركة ذات مركز تجاري ومالي قوي ولكن حصل للشركة بعض الضغوط من بعض صغار المساهمين فتم انتخاب مجلس إدارة للشركة كان صالح الحناكي رئيسا لمجلس الإدارة، وكان هو الذي تولى أعمال الشركة المهمة ويرعى شؤونها حرصاً منه على بقائها لمصلحة المدينة، وبقي فيها حتى عام 1393هـ ثم استقال من عضويتها.

وفي عام 1391هـ حصل على امتياز إعاشة الجيش السعودي فتطورت تجارته وتوسع عنده الرزق وامتدت تجارته وتوزعت فروع شركته في أنحاء عدة في المملكة.

وتولى ابنه مطلق إدارة فرع الرياض وابنه عبدالرحمن إدارة فرع القصيم وابنه إبراهيم إدارة فرع الحجاز حتى بلغت فروعه (16) فرعاً في كل أنحاء المملكة.

وكان للوجيه صالح الحناكي دور بارز في إنشاء الغرفة التجارية في القصيم ومعه عبدالعزيز الراشد والمشيقح من بريدة وصالح الدخيل من عنيزة حيث تقدموا بطلب إنشاء الغرفة فتم لهم ذلك بدعم من بنك الرياض، وبعد الموافقة على التأسيس تم تشكيل مجلس الإدارة من: سليمان الراشد رئيساً وصالح الدخيل مديرا للإدارة والأعضاء هم: صالح بن مطلق الحناكي وعبدالله بن محمد العقل من الرس ومحمد بن علي السويلم والخليفي من البكيرية، وجاهل الجاهل ومحمد الصيخان من عنيزة وعبدالرحمن القميع من الخبراء وبقي عضوا فاعلاً فيها لمدة ست سنوات خلفه بعدها ابنه عبدالرحمن ولا يزال.

ثم سعى لإنشاء فرع للغرفة التجارية في الرس فلم يتم الموافقة على ذلك إلا بإلحاح منه على ذلك وقد تكفل لها بمقر مجاني لمدة ثلاث سنوات.

كان الوجيه صالح بن مطلق الحناكي يهتم بما فيه مصلحة محافظة الرس وما يحقق لها التطور والنماء ولم يشاركه من أهلها أحد في ذلك بل كان ولا يزال يسعى منفردا مبتغيا في ذلك وجه الله، ولا يكاد يوجد مشروع خيري أو اجتماعي أو مرفق حكومي إلا وينطق بالدعاء والشكر لهذا المواطن المخلص، كما أن أهل الرس يثنون عليه ويذكرونه بالخير، لكنه دائماً يعف عن المدح والثناء ولا يحب من أحد أن يتملّق بمدحه ويرى بأن ما يؤديه من أعمال خيرية يبتغي به وجه الله.

شكر الله صنيعه وأجزل له الأجر والمثوبة وجعل ما قدّم لتلك المحافظة وأهلها المحتاجين فيها في ميزان حسناته. أذكر من تلك المساهمات الخيرية التي يقدمها: مشروع توزيع الأرزاق والمواد الغذائية في أنحاء المملكة في شهر رمضان، ومشروع مركز غسيل الكلى في الرس، والمركز الثقافي في كلية العلوم والآداب في الرس، وكما قام ببناء مجموعة من المساجد والجوامع الكبيرة في أنحاء متفرقة من المملكة.

كان رحمه الله حكيماً في أقواله وتوجيهاته ومن أقواله في نجاحه في العمل التجاري (والنجاح يقف خلفه أولا الفرصة التي منحني إياها الوالد رحمه الله، ووفاء العمال الذين عملوا معي في البداية، ثم تنمية وتطوير أولادي للعمل وتوسيع المشاريع والتجارة).

وقال واصفاً نفسه في عالم التجارة (الحمد لله أنا شخص أتوكل على الله في كافة أعمالي، ولا أهتم بما يحدث حيث إن بعض الأطباء ينصحونني بعدم التفكير حيث يعتقدون أني أفكر وأهتم في أمور التجارة وأنا ولله الحمد لا أهتم ولا أفكر بما فات متوكلا على الله عز وجل ومن أهم المميزات التي أراها ألا يتردد الشخص في اتخاذ القرار لأن التردد لا يأتي إلا بالنقص).

كما قال موجها أبناءه في أمور التجارة عند البيع (أني أجزم على الأمر ولا يكون عندي تردد أو ندم والذي يندم لا يطلع رأس مال وإذا عزمت فتوكل على الله ولا أذكر أنني ترددت أبدا، فالمبادرة في القرار وعدم التردد مع التخطيط والتفكير غير الطويل وغير المعوق عن العمل إحدى سمات التاجر الناجح).

ومن قوله عن صفات التاجر الناجح (أن يكون صادقاً مع الآخرين نزيها ولا يسوق تجارته بالحلف الكاذب، ومن يصدق مع الناس يصدق الناس معه ويوفقه الله، ومن يربح مرة بالكذب قد لا يأتيه الزبائن مرة أخرى).

ويقول في وفائه بحاجة أهل بلدته (أيضاً يجب على التاجر أن يعرف حاجة بلده وأهله ويبادر في تأمينها لأنه يخدم نفسه حينما يكسب ويخدم مجتمعه حينما يؤمن لهم ما يريدون).

ويقول- رحمه الله- عن سبب توفيق الله له في التجارة (لا أذكر ولله الحمد أني ندمت على قرار اتخذته لأنه ليس هناك إلا قسمة الله التي قسمها لي، منذ بدايتي حتى اليوم أتوكل على الله وأقدم على الخطوة ولا أنظر للخلف ولا أتأسف على قرار اتخذته، لأني أتوكل على الله قبل كل شيء وأقدم على الأمر بعد قناعة أنه هو الرأي السديد، وحتى لو اتخذت قرارا لم يكن طيبا لي فأنا لا افكر فيه وأبحث عن الذي يليه لأعوض رغم أن هذا قليل ولله الحمد).

كما يقول- رحمه الله- ناصحاً أبناء بلادنا بالعمل (والشباب أنصحهم بالبحث والجد والاجتهاد والأرزاق موجودة لكنها تحتاج بحثا وبذلا، لكن سلبيات شباب هذا الوقت أنهم يبحثون عن وظائف حكومية ولا يقبلون بالعمل بالقطاع الخاص).

قال فيه الشاعر أبو فراس من تبوك قصيدة من (28) بيتاً قدم لها بقوله: ورغبة مني في إظهار الاحترام والتقدير لرجل أعده من خير الخلف لخير السلف... إعجاباً بمكارم الأخلاق وعظمة القيم وكريم الرجال) نقتطف منها بعض الأبيات:

ها قد أتيتك صادق الإنشاد

أزجي إليك محبتي ومدادي

ها قد أتيتك من فضاء قريحة

ولكم يجود الشعر في الأجواد

ثم قال فيها:

ولقد عرفتك معلما لا تنثني

عن فضل جود أو كريم وفاد

يا صالح الأقوال إنك صالح

شهدت بك الآباء للأولاد

يا صالح الأعمال إنك جامع

زهد التقي وخشية العُبّاد

يا صالح الإسرار في بذل الندى

كم كنت تكره أن يشاع بناد

قد أورقت يمناك في حب الورى

في كل رابٍ قد زهت ووهاد

ثم قال:

ونراك تزهد بعد ذلك كلّه

إن التواضع أفضل الشّهاد

يا أيها النبع السخي بفيضه

هل كنت إلا الفرع للأجداد

ثم ختمها بقوله:

فلتجعل اللهم نورك دائماً

هديا لمن يمشي بدرب رشاد

ولتحفظ اللهم عبدك صالحا

من كل شر ضاق بالحساد

وبعدما أنهى الشيخ صالح بناء قصره العامر في مزرعته بطريق الرس البدائع قال فيه الشاعر ناصر المسيميري من الرس قصيدة جميلة وهي:

قصرك يا بو مطلق مسميِّه هدَّاج

هدَّاج يبشر بالروى من عنا له

يا ما دخل به من فقيرٍ ومحتاج

لو إن همِّه كبر أبان ارتكى له

من جاه يلقى به تراحيب واحجاج

وشيخٍ سخيٍ ما يشح ابحلاله

مشرَّع البيبان ما حط مزلاج

ولا وقَّف الهندي يحرسه لحاله

تلقى على بابه كما أفواج حجاج

إليا صدر هذا ورد ذا بداله

ينصاه مظهودٍ وينصاه محتاج

هل اللوازم من بعيد أتعنا له

فعله يكذِّب كل واصف وهرَّاج

كريم سبلا اللي اتذكَّر افعاله

من فيض جوده يشبع الهاج والداج

حضر وبدو كلِّ شبع من نواله

للرس تاج ولهل المنطقة تاج

شيخٍ بذل للطيب حاله وماله

يفدونه اللي للمواجيب سِهَّاج

شبَّوا وشابوا ما أدركوا للجماله

لا صار ما تحجي وتذري لمن داج

أظن بابك لا فتحته عذاله

خلِّه لمن بيته مثل بير هدَّاج

لا زاد ورده زاد صافي ازلاله

وصلاة ربي عد ما ناض لعَّاج

على النبي اللي صدق بالرسالة

وأخيراً لقد حفظ الله الوجيه صالح بن مطلق الحناكي حيث اختاره ليكون بجواره، حيث أسلمت روحه إلى بارئها في يوم الأحد: 9-2-1431هـ الموافق: 24 -1-2010م.

رحمه الله وغفر له وجمعنا وإياه في مستقر رحمته.

عبدالله بن صالح العقيل - الرس

Aa10@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد