Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/02/2010 G Issue 13641
الثلاثاء 18 صفر 1431   العدد  13641
 

الكل يشكو دهره
د. عبدالرحمن بن سعود الهواوي

 

غريب أمر الإنسان في هذه الدنيا فهو في حالة من الشكوى مهما كانت أحواله، فالغني يشكو من كثرة ماله وعلو بنيانه، والفقير يشكو من عوزه وفقره وتعب يده من كثرة مدها للسؤال، والعاقل يشكو مما في عقله من هم وغم وقلق

وكثرة تفكير، والسليم يشكو من فرط في صحته، والمريض يشكو من وهن في بدنه، والشاب يشكو من عجلة في أمره، والشيخ يشكو من شيبه وهرمه وعجزه، وعلى ما فات عليه من فرص عندما كان في عنفوان شبابه، الكل يشكو دهره.. ولكن استثنى أبو الطيب المتنبي من هؤلاء الناس الجاهل والغافل والمغالط، حيث قال:

تصفو الحياة لجاهلٍ أو غافلٍ

عمّا مَضَى فيها وما يتوقع

ولمن يغالط في الحقائق نفسه

ويسومُها طلب المحال فتطمعُ

أي أنه - المتنبي - يعتقد أن الحياة تصفو لجاهل عما في هذه الحياة من محن ومصائب ولا يفكر في عواقبها فيتوقعها، أما من يفكر في الدنيا بعين المعرفة ويعرف تقلباتها فلن تصفو له، كذلك فالحياة تصفو لغافل عديم الفطنة يغفل وينسى ما مضى له في حياته، وما يتوقعه من أحداثها، وقد تصفو الحياة وتلذ لمن يغالط في الحقائق نفسه، ولا يستخدم عقله وتفكيره وديدنه المكابرة وكثرة التمني. يقول العكبري في هذا المعنى: إن الدنيا - الحياة - على الحقيقة دار غرور وأخطار، والإنسان فيها على خطر عظيم، والحياة فانية فيها وإن طالت، فمن غلط في هذا، ومنّى نفسه السلامة والبقاء صفا عيشه حين ألقى عن نفسه الفكر في العواقب، وكلف نفسه طلب المحال من البقاء في السلامة مع نيل المراد، وطمعت في ذلك نفسه.. ثم قال أبو الطيب مبيناً أن البقاء على ما يراه الجاهل والغافل والمغالط مستحيل:

أينَ الذي الهرمانِ من بنيانِهِ

ما قومُه ما يومهُ ما المصرعُ

تتخلف الآثار عن أصحابها

حيناً ويدركُها الفناء فتتبعُ

يقول: انظروا إلى الأهرامات لقد بقيت بعد من بناها وشيدها فأين هو الآن، وأين قومه، وكيف كانت حياتهم، وبأي علة هلكوا؟، والآثار والبنيان - والأبراج - قد تبقى مدة من الدهر بعد أصحابها لتدل على ما كانوا عليه من غرور وتسلط في دنياهم، ولكن الفناء والخراب سيطالها ولو بعد حين فتلحق بأصحابها - حتى لو رممت ألف مرة -؟!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد