Al Jazirah NewsPaper Tuesday  02/02/2010 G Issue 13641
الثلاثاء 18 صفر 1431   العدد  13641
 
شيء من
الإنسان بين ثقافتنا وثقافتهم
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

أعلن الثري الأمريكي المعروف (بيل قيتس) وزوجته (ماليندا) عن تبرعه بمبلغ عشرة مليارات دولار (من حر ماله) للصرف على تكاليف اللقاحات في الدول النامية، أو إذا شئت دول العالم الثالث. عشرة مليارات دولار تعني 37.5 مليار ريال ستذهب أغلبها للصرف على تكاليف اللقاحات، ومكافحة الأمراض والأوبئة، في دول العالم الإسلامي، على اعتبار أن أغلب هذه الدول -والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه- إسلامية.

الفرق بين أثريائهم وأثريائنا، أو بلغة أدق: خيّريهم وخيّرينا، أنهم إذا تبرعوا لا ينطلقون من أسس دينية أو مذهبية، تصنّف الأقربين بأنهم الأقرب لك في الدين والمذهب، فالرؤية الإنسانية غير المنحازة تجعل (الإنسان أولاً)، وبالتالي فإن هذا الرابط يعلو على أي رابط، سواء كان دينياً أو مذهبياً أو جغرافياً.

في أحد برامج الفتاوى الفضائية اتصل مستفتٍ بأحد المشايخ (يستفتيه) في عمل خيري يريد أن يُنفقه في الغرب، فقال الشيخ على الفور: تأكد -جزاك الله خيراً- أن المستفيد من العمل إخوانك المسلمون من أهل السنة والجماعة، فيجب أن تنصرف هذه الأعمال لهم، وليس لغيرهم.

تصوَّر - جدلاً - أن بل قيتس عامَلنا بالمثل، فاعتبر أن رابطة الدين أو المذهب، شرط ضرورة للاستفادة من أعماله الخيرية، سيعزف - بلا شك - دعاة البغضاء والكراهية سيمفونيات الحقد، وسيرتفع شعار: (الصليبية والصليبيين) عالياً ليصبح الصوت الذي لا يعلو عليه أي صوت، بينما حين تجاوز هذا الإنسان (الخيّر) الدين والجغرافيا، والتراكمات التاريخية، يقابله الإعلام العربي والإسلامي بتهميش وبرود ولا مبالاة، وكأنه فرضٌ عليه أن يؤديه، ولا يستحق لقاء كرمه (منقطع النظير) أي لفتة شكر وعرفان وإكبار منا.

ما فعله بيل قيتس يُعبّر بكل وضوح عن الجانب المشرق من هذه الحضارة الغربية العظيمة، فالرجل الذي أعطى للعالم كثيراً من الإنجازات في عالم التقنية الرقمية من خلال شركاته الشهيرة في هذه المجالات، هو من تبرع للمحتاجين بجزء من ثرواته، غير أن المؤدلجين، ودعاة الكراهية، والمتاجرين بالعداء، يصرون على اختزال الغرب في السياسة من جهة، وفي المؤسسة العسكرية من الجهة الأخرى، ولا ينظرون إلى الجوانب المشرقة في هذه الحضارة وعلى رأسها جانب التكافل الإنساني بين بني البشر الذي هو الدافع (الأخلاقي) لهذا الرجل الخيّر الذي دفعه لهذا العمل النبيل.

أريد من القارئ الكريم أن يختار أحد كبار أثريائنا ويقارن أعماله الإنسانية والخيرية، بل و(كرمه)، بما قدمه هذا الإنسان الغربي، سيجد أن الفرق بينهما يندى له الجبين.وإذا كان (الكرم) في ثقافة بني يعرب إحدى القيم التي اشتهروا بها، واحتفوا برموزها، وخلدوهم في أشعارهم، وهي في بواعثها ضربٌ من ضروب التكافل الاجتماعي بين من يملك ومن لا يملك، إلا أنها اليوم تحوَّلت إلى مجرد (بذخ) واستعراض للثروات، وتباهٍ تستفز من لا يملك، وتعطي لمن يملك قيمة اجتماعية (مزورة) لا تمت للكرم في معناه التكافلي النبيل بأي صلة.

الفرق بين بيل قيتس وأثريائنا - أيها السادة - هو فرق أخلاقي في معناه الإنساني العميق.إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد