Al Jazirah NewsPaper Thursday  04/02/2010 G Issue 13643
الخميس 20 صفر 1431   العدد  13643
 
شبح البطالة وأحقية المواطنين في العمل
السفير م. أحمد بن حمد اليحيى(*)

 

معلوم أنه لا تخلو دولة من دول العالم من البطالة، وتكون في نظر الاقتصاديين مقبولة عندما لا تتجاوز نسبتها حدود (03%).. لكن عندما تبلغ نسبتها 10% تصبح كالبثور الداكنة في وجه بلد نصف الذين يؤدون الإنتاج ويديرون الأنشطة الاقتصادية فيه أجانب.

لقد صرح معالي نائب وزير العمل الدكتور جار الله الحميد في لقاء صحفي بتاريخ 13-1-2010م أن نسبة البطالة في المملكة العربية السعودية بين الشباب السعوديين الذكور 10% وبين الإناث 27%. لكنه لم يفصح عن الرقم العددي لهذه النسبة، فزمننا هذا زمن لغة الأرقام، بل لم أشاهد معلومات مثلها منشورة في دوريات أو تقارير كما تفعل بقية دول العالم.

نقدر لمعالي النائب صراحته وأمانته في تقديم المعلومة للمواطنين والمراقبين بكل شفافية، حتى إنه لم يخفِ خشيته من أن يصبح السعوديون أقلية، وكذا تشبيهه العمالة السائبة بقصص الأفلام السينمائية (الرياض الاقتصادية 14-1-2010م)، بينما نلحظ تكتم بعض المسؤولين -هداهم الله- في بعض قطاعات أخرى حول ما لدى أجهزتهم من سلبيات قد لا تخفى على الغير، أو حتى إيضاح وجهة نظرهم معتبرين أن كل شيء (تمام يا فندم).

عموماً إذا كانت تلكم النسبة تمثل النوع الحقيقي من أنواع البطالة، التي تعني أن عدد طالبي العمل في سوق العمل بالقطاع الخاص أكثر من عدد الوظائف المعروضة أو المحتلة من قبل عمالة وافدة ولا يدخل فيها بطالة متخفية أو اختيارية وسواهما فهي تبقى نسبة مخيفة ومقلقة معاً لكبرها، ولا سيما أنها تستنكر في بلد يستأثر الوافدون فيه بأكثر الوظائف والمهن.

فهل هذا يعني أن الوزارة ومن يشاركها مسؤوليات توظيف أبناء الشعب تتعثر جهودهم في عملية استقطاب أبناء وبنات البلاد في مواقع العمل وتوطينهم في مهن ووظائف يحتلها أكثر من (7) ملايين عامل وافد؟ قد يحار المراقبون.. كيف والحال هذه يبقى مواطن سعودي على أرض وطنه عاطلاً عن العمل.

كيلا نستعجل في استصدار الأحكام دعونا نتحدث عن الوضع العام لجوانب سوق العمل. ثمّة بطالات في سوق العمل فأي منها نعني ونقيس؟

البطالة لغة: هي التعطل والتفرغ عن العمل وتسمى أحياناً (العطالة)، وهي أنواع سيجري تبيانها أدناه. ولا يسع أي بلد تحت أي ظرف من الظروف تحقيق مستوى توظيف كامل (Full Employment) مهما قطعته من تقدم اقتصادي وتنموي، والاقتصاديون تعارفوا على قبول البطالة عندما تكون نسبتها في حدود (03%) كما أشرنا سابقاً، ولكنها متى ما تجاوزت ذلك تصبح مسألة فيها نظر وتحتاج لتحرك سريع. وإني لأجهل طريقة الوزارة في احتساب هذه النسبة التي أعلنتها.. هل تعني بها البطالة الحقيقية (الاقتصادية) المنسوبة لكامل القوى العاملة المدنية في جميع قطاعات الدولة (البلد) من قطاع عام وخاص شاملة للسعوديين والوافدين، الناتجة حسابياً عن شح في الوظائف أمام كثرة طالبي العمل؟ أم أنه يدخل فيها (بطالات) أخرى؟ أم أن هذه النسبة منسوبة إلى حجم قوة العمل السعودية في القطاع الخاص فقط، حيث احتسب عاطل عن العمل من لم تستطع مكاتب العمل تدبير عمل له من بين المسجلين السعوديين في دفاترها طلباً للعمل.

لا شك أن الفارق العددي لهاتين النسبتين سيكون مختلفاً في العدد والنوع. ولكي أضع القارئ الكريم في الصورة فإن البطالة الحقيقية (Real Unemployment) وهي بتعريف آخر البطالة الاقتصادية (Economical Unemployment)، أي التي قلنا عنها يكون فيها عدد طالبي العمل في البلاد أكثر من عدد الوظائف، فلا يجد المواطن وظيفة يسترزق منها.

هذا النوع من البطالة عندما يدق إسفينه في البلاد تقوم حكومته بشحذ همم الاقتصاد الوطني وإدخال آليات مناسبة من أجل ضخ وظائف ومهن جديدة تستوعب العاطلين عن العمل المنتظرين للوظائف بقدر الإمكان.

وهناك أنواع أخرى من البطالة، منها التالي:

هل الـ10% بطالة حقيقية.

- البطالة الإجبارية Compulsory Unemployment وهي أن يكون ثمة أناس مسجلون طلباً للعمل ولكنهم يواجهون ظروفاً خاصة تجعلهم يتآخرون عن مراجعة وحدات التوظيف بيد أنهم محسوبون إحصائياً عاطلين.

- البطالة المقنعة (Disguised Unemployment) وهي التي تكون بسبب أن الوظيفة الواحدة يعمل عليها اثنان أو أكثر، أو أن الفرد يعمل على وظيفتين مسجلتين إحصائياً.

- وهناك البطالة الموسمية (Seasonal Unemployment) وهي ناتجة من الوظائف الموسمية التي يسرّح فيها العمال في فصل معين، كالأعمال الزراعية بعد مواسم الحصاد أو في أعمال الموانئ أو المهن السياحية الفصلية وغير ذلك.

- وهناك البطالة الاختيارية (Selected Unemployment) وهي لا تكون بسبب شح في الوظائف، ولكن كأن يتأخر طالب العمل في الدخول في سوق العمل في ظل توفر الوظائف والانتظار عاطلاً عن العمل ريثما يجد وظيفة بمزايا أفضل أو أن يؤخر دخوله سوق العمل ريثما يحسّن من مستوى مهاراته عن طريق تحصيل زيادة في التعليم أو التدريب.

ولعلي لا أشك في نسبة الـ10% ولكني أشك أن تكون جميعها بطالة حقيقة ومن النوع الاقتصادي بقدر ما تكون مزيجاً من البطالات الأخرى، في تقديري الأمر يحتاج إلى توضيح وتحليل أكثر، آخذين في الاعتبار أن سوق العمل في بلادنا لا تخلو من وظائف وهمية فحسب، بل من موظفين وهميين على وظائف قائمة.

مطلوب أرقام تفصيلية عن القوى العاملة المدنية وكفانا سرية

ومع أني دائماً أرجو لوزارة العمل ورجالها العون من الله على إنجاز مهامهم، فقد وددت في ظل واقع تقدم تكنولوجيا الحاسوب وعلوم الأرقام أن يتسنى لنا الوقوف على مقدار الحجم العددي الفعلي لهذه النسبة. وأن تأتينا الوزارة بمسوح لسوق العمل وأرقام إحصائية بصفة دورية، تظهر (ميكانيكيتها) وحراكها ومحتوى قوة العمل في القطاع الخاص، كماً، ونوعاً، وجنساً (ليس جنسية)، وتحركاتها داخل منشآت القطاع الخاص وحركة الوظائف فيها وتنقلات العاملين (الهجرة الداخلية)، مثل ما باتت تفعله دول أقل تقدماً منا، بحيث يتسنى للباحثين تحديد حالات التعطل عن العمل، وتحليل أنواع البطالات ومواقعها من حيث المهن ومن حيث الأمكنة، فالأرقام باتت خريطة الطريق للتخطيط ولعلاج المشكلات الاقتصادية والاجتماعية لكل دولة يكون ديدنها التطلع إلى مستقبل مشرق والتبؤ على قمم التقدم والرقي لشعبها. وعادة هذا النوع من الإحصائيات متوفر في كل دولة بالتفصيل بشكل دوري، فلم يُعدُّ ذلك من الأسرار التي تمس سيادة البلد أو تهدد مصالحه فتغفلها السرية كما كان الاعتقاد في زمن مضى. فهواجس سرية الأرقام الإحصائية لا زالت تعشعش في أذهان بعض مسؤولي الأجهزة التي تمتلك حواسب حول العمالة.

ثمة جهات حكومية متعددة تتعامل مع شرائح القوى العاملة المدنية ولها حاسوبها الخاص بها مثل وزارة الخدمة المدنية ووزارة الداخلية ووزارة العمل وكذلك مصلحة الإحصاءات العامة وربما غيرها. بيد أننا لم نرَ أن تلكم الحاسوبات على تعددها قد التقت في يوم من الأيام لتعطي المواطنين أرقاماً حقيقية موحدة حول محتوى قوة العمل المدنية وحراكها في ردهات الإنتاج الوطني، اللهم ما اعتدنا يخرج علينا بين وقت وآخر من أرقام تقليدية غير مفصلة. حتى أصبح البعض يعتقد أن العالم الخارجي بات يعرف عنا أكثر مما نعرفه نحن في الداخل. ولعل المصدر الإحصائي الدوري التفصيلي المتاح حول إحصاءات قوة العمل في القطاع الخاص هو التقارير التفصيلية التي تصدرها مشكورة المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية ولكنها خاصة بالمؤمن عليهم فقط ولا تشمل سواهم من المستثنين الذين يعدون بمئات الألوف. على أننا ننبّه إلى أن المسوحات الإحصائية عندما تكون حصراً على سوق العمل بالقطاع الخاص وحده دون سواه، وتكون بمعزل عن إحصاءات العاملين في الوظائف المدنية الحكومية فقد لا تفضي إلى تقديرات دقيقة لحالة التوظيف الكامل في البلاد ولا تساعد في تحديد واقعي لنسب البطالة الحقيقية كي تتمكن الحكومة من مكافحة البطالة الحقيقية.

المطلوب للساحة إحصاءات شاملة لكل القوى العاملة المدنية في البلاد بقطاعيه العام والخاص واعتباره سوق عمل واحدة، فالحكومة في عمليات توظيفها يعتبرها خبراء الاقتصاد العمالي صاحب عمل، شأنها في ذلك شأن أصحاب العمل في سوق القطاع الخاص.

لذا اقترح أن تصب جميع المصادر المسحية الحكومية المتعلقة بشؤون العمالة في وعاء واحد ألا وهو حاسوب مصلحة الإحصاءات العامة وتقدم للعموم كحزمة واحدة. وألا تعمل كل جهة بمعزل عن الأخرى، فبلادنا تحت ظل قيادة واحدة ولله الحمد ولدينا حكومة واحدة، ناهيك عن أن في ذلك توفيراً للجهود والنفقات ودقة في المعلومات وشمولية فيها.

أدرك مثل غيري أن مصلحة الإحصاءات العامة تجري إحصاءات تقديرية سكانية بين وقت وآخر ولكن يبدو لي أن محصلتها غير مصممة لتعطي معلومات عن المسار الفعلي لاتجاهات القوى البشرية في المهن والإنتاج.

أحسب أن قياس البطالة الحقيقية بين كوادر القوى العاملة المدنية في البلاد يتأتى بتبني جيل جديد من التقنيات المعلوماتية الحديثة لتحقيق مسح سكاني بشري شامل ودقيق وفق استمارة استبيانية سكانية تحصر جميع مكونات مجمل القوى العاملة والأيدي البشرية العاملة في جميع القطاعات المدنية في الدولة (البلاد)، (يستثنى منها القطاع العسكري بطبيعة الحال)، يأخذ في الاعتبار احتياجات العصر وإسقاطاته الاقتصادية والاجتماعية العصرية، تستنبط من مخرجاته الرقمية اتجاهات القوة البشرية وأنشطتهم الإنتاجية في دروب المسيرة التنموية.

لقياس نسب البطالة على مستوى المملكة

ولعلي اقترح في هذا المسار أن تتدرج هذه المعلومات الإحصائية السكانية في تسلسلها الإحصائي ويتم تفويجها، بحيث تعتمد كل وحدة إحصائية على الأرقام التي قبلها، حتى تنتهي في آخر مراحلها إلى استنباط نسبة البطالة وحصر حجمها في كل مهنة ووظيفة، وهو وإن كان أسلوباً لا يجهله البعض لكن للتذكير به نسلسله في التالي:

أولاً: حصر العدد الكمي الإحصائي الشامل من السكان الذين أعمارهم في سن العمل (من سن 16-65)، ذكوراً وإناثاً، القادرين على العمل، وتبيان درجة تعليمهم ومهاراتهم، ومهن العاملين منهم إن وجدت، أي الوقوف على محتوى قوة العمل الوطنية القائمة والواعدة وتحديد حجمها بين السكان.

ثانياً: حصر العدد الكلي لقوة العمل المدنية العاملة المرتبطة بعمل ما في البلاد في كلا القطاعين، العام والخاص من سعوديين ووافدين، من ذكور وإناث (الجنسيات ليست مطلوبة) وتبيان وظائفهم ومهنهم. فبالنسبة للعاملين في القطاع الحكومي يرجع فيه إلى حاسوب وزارة الخدمة المدنية، وبالنسبة للوافدين فيرجع فيه إلى معلومات حاسوب وزارة الداخلية، أما بالنسبة للسعوديين فيرجع فيه لحاسوب وزارة العمل من واقع سجلات الوزارة وسجلات التأمينات الاجتماعية.

ثالثاً: بعدئذ يتم الوقوف على نسبة البطالة وحجمها بحساب الفارق بين أولاً وثانياً.

البطالة مسؤولية الجهات الحكومية المعنية والقطاع الخاص

من أجل إيجاد وظائف للسكان أطلقت الدولة -حماها الله- يد القطاع الخاص للسباحة في ميادين الاقتصاد الوطني ليس لتوليد إنتاجية صناعية وزراعية وخدمية فحسب بل لتوليد فرص العمل للمواطنين، فأرست الحكومة سبيل إنهاض القطاع الخاص ومنشآته من شركات ومؤسسات وفق إستراتيجية تشمل مجالات شتّى منها تمويل ومنها تسهيل ومنها مساندة، ولكن جميعها مشروطة باتباع النظم والتعليمات التي سنتها الحكومة لهذا القطاع ومراعاة التمشي بها وفق لوائحه.

ولم تبخل على منشآته باستقدام المهارات والكفاءات من الخارج إذا شحت من الداخل. فمن تفهم هذه الإستراتيجية من منشآت القطاع وتجاوب معها واتبع مساراتها فقد أفلح، ومن سوّف وشطح وتهاون فقد أخفق.

ومن ضمن إستراتيجية الدولة في تنظيم القطاع الخاص العناية بسوق العمل وتنظيم الاستخدام فيه من أجل تحقيق استقراره ونماء إنتاجيته وحماية حقوق طرفي الإنتاج فيه. فسنت الأنظمة واللوائح الخاصة به مثل نظام العمل ونظام التأمينات الاجتماعية لتبيان حقوق طرفي الإنتاج، العامل ورب العمل سعياً لتحفيزه لسعودة وظائفه ومهنه. فأوكلت عملية الإشراف على سوق العمل فيه لوزارة العمل.

إذن لتحقيق نجاح الوزارة في مهامها لتوظيف العمالة الوطنية فيه ومكافحة البطالة التي أناطها بها نظام العمل القائم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م-51) في 23-8-1426هـ، أحسب أن يكون لدى وزارة العمل مخزون معلوماتي رقمي ميداني عن محتوى جميع مهن ووظائف القطاع الخاص من شركات ومؤسسات من عمال سعوديين ووافدين وفق ما نصت عليه المادة (25) من هذا النظام، وكذا مخزون إحصائي تفصيلي عن أعداد طالبي العمل السعوديين حسب مهاراتهم وخبراتهم. وحيث إن للوزارة صلاحية التحرك بقوة النظام في عملية السعودة الحازمة، فمن لا يتجاوب معها من أصحاب العمل يحق لها أن تطبق بحقه عقوبة المادة (231) من النظام نفسه. ودون ذلك فقد يصعب على الحكومة تحقيق أهدافها في إيجاد وظائف للعاطلين المواطنين إذا تعنتت أطرافه، وتصبح الوزارة كمن ينفخ في قرب مثقوبة.

للحق.. شاهدنا تجاوب عدد ضئيل من منشآت القطاع الخاص مع السعودة من لدن من يحدوهم الوازع الوطني، والوطن يثمّن لهم ذلك بكل تأكيد وكذا الحكومة لا شك. بينما ظلت الأكثرية في مراوغة وتسويف هروباً من أدبيات المسؤولية الوطنية وركضاً خلف الاستقدام.

ومع أني أثمن جهود وزارة العمل في عملية التوظيف وتنويع محاولاتها تارة بشد وأخرى بجذب، سوى أن التحولات في تركيبة القوى العاملة الوطنية كماً ونوعاً باتت تتطلب إدخال آليات إجرائية وتدابير استثنائية تراعي الاتجاهات البشرية والتحولات الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع السعودي وتتناغم مع العصرنة، وذلك وفق خريطة طريق جديدة يجب أن ترسم الحكومة سياساتها، وأساليب تطبيقاتها لإنصاف المواطنين في بلادهم، ذلك حق ضمنته الدولة لهم في نظامها الأساسي، وكذا بموجب المادة الثالثة من نظام العمل القائم.

سيكون لنا إن شاء الله لقاء سنتحدث فيه حول مكافحة البطالة وتنويع مصادر توظيف العاطلين من شبابنا والله ولي التوفيق.

(*)وكيل وزارة العمل سابقاً وعضو مجلس الشورى سابقاً
لإبداء الرأي يمكن المراسلة على البريد الإلكتروني


ahnyanya@yahoo.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد