Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/02/2010 G Issue 13648
الثلاثاء 25 صفر 1431   العدد  13648
 

أخي محمد في ذاكرة الزمن
عبدالعزيز بن عبدالرحمن الخريف

 

نبكي على الدنيا وما من معشر

جمعتهم الدنيا فلم يتفرقوا

ويقول الآخر:

وكل أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلا الفرقدان

شاءت قدرة المولى أن يكون يوم الخميس 12-5-1395هـ هو آخر أيام إقامة أخي محمد في الدنيا - يرحمه الله - وقد عاش في طفولته كأمثاله بين أحضان والديه، وبين لداته ورفاق دربه، وعند بلوغه سن السابعة ألحقه الوالد بإحدى مدارس الكتاب بحريملاء - وكان على مستوى من الذكاء والفطنة، وسرعة الحفظ رغم صغر سنه حتى ختم القرآن الكريم كاملا مع حفظ بعض أجزائه، وحفظ بعض الآيات من أواخر السور التي يتكرر مرورها على سمعه أثناء تأدية الصلوات الجهرية، مما سهل عليه حفظها تلقائيا، ومعلوم أنه نشأ في بيت علم وأدب، وكان يصحب والدنا الشيخ عبدالرحمن إلى مجالس الذكر، وإلى المسجد الذي يصلي فيه فيسمع تلاوة القرآن الكريم وقراءة بعض الكتب المفيدة التي يتلوها بعض طلاب العلم على والدنا - رحمه الله - أمثال الشيخ أحمد بن علي الشدي، والشيخ عبدالعزيز بن محمد الداود، والأستاذ عبدالله بن سليمان الحميدي، وغير هؤلاء الأخيار، وذلك قُبيل صلاة العشاء، وبعد صلاة العصر مباشرة من كل يوم..، حيث يعلق في ذهنه حفظ الكثير من الأحاديث النبوية، وبعض القصص التاريخية..، وغيرها من أخبار الماضين مما كون لدى أخي محمد حصيلة عامة من المعلومات وكانت سببا قويا في تربية ملكة الحفظ وسعة الأفق لديه..، فالاستعداد الفطري من أقوى روافد المعرفة في تثبت ما يمر بخاطر الإنسان، وعلى سمعه وبصره كل هذه كونت لديه مخزونا ثرا من شتى المعارف، والمواد الأخرى..، وعندما عين الملك عبدالعزيز والدنا قاضيا في قرية (العليا) عام 1347هـ الواقعة في الجانب الشمالي الشرقي من مملكتنا الحبيبة إلى قلوبنا كان من الضروري أن يحتاج إليه الوالد لمرافقته وملازمته طيلة مدة عمله فتوجها من حريملاء عبر الصحراء الشاسعة الشاقة مرقلين صوب مقر العمل الجديد (بقرية العليا) كما أسلفنا، حيث اختارا جملا من أقوى المطايا وأصبرها على حمل الأثقال وقطع الفيافي والقفار، فوضعا على ظهره بعض مستلزمات السفر والإقامة هناك من كتب ومراجع..، وكمية من الأرزاق والأطعمة، وما يحتاجون إليه من متطلبات السكن، فالجمل في تلك الحقبة يعتبر من سفن الصحراء لقطع المسافات الطويلة المحفوفة بمخاطر الطريق من متاهات وخوف من الهوام والسباع، ومن وحوش البراري والفلوات، فسارا أياما وليالي حتى وصلا هناك واستقرا في تلك الهجرة، ونزلا في حجرة أو حجرتين..، على ما فيهما من ضيق وقلة راحة..!، وقام الأخ محمد بخدمة الوالد خير قيام في شئونه الخاصة، وفي استقبال الخصوم إن وجد أحد منهم..، لأن وجوده معه فيه إيناس، وتخفيف من وطأة وحشة الغربة، والبعد عن والدته - جدتي - وعن بنياته الصغار - آنذاك -، وذلك قبل طلوعي على الدنيا، فالأخ محمد هو أكبر أنجال الوالد - رحمهم الله -، وفي وقت فراغه ينتهز الفرصة في البيع والشراء من حيوانات مثل الجمال والأغنام وما تنتجه من السمن والأقط، بل ومن سائر البضائع المتنوعة، التي ترد من البلدان المتاخمة لمقر عملهما مثل الكويت وأطراف العراق.. الخ، وغير ذلك من متطلبات المجتمع في هاتيك الديار والبقاع..، فهي تعتبر مصدر رزق وربح، وذلك لقلة المادة لدى الوالد، وشح الموارد المالية التي يتكئ عليها الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في تمويل و تصريف أموره ومستلزمات الحياة لإسعاد رعيته من موظفين وقضاة وجنود وغير أولئك..، وذلك قبل أن تشرق شمس الحياة المادية والحضارية على ربوع مملكتنا الحبيبة على قلوبنا، فعاش الوالد في تلك الحقبة القاسية عيشة كفاف وبساطة، وبعدما أمضى عاما تقريبا ألح على الملك عبدالعزيز ليعفيه من القضاء، فأمر بنقله إلى بلدة ( سنام ) بمنطقة القويعية فاستمر بها مدة من الزمن، ثم سافر الوالد إلى الرياض لمقابلة الملك عبدالعزيز شخصيا مبديا ظروفه العائلية أهمها حاجة والدته جدتنا ليكون على مقربة منها لكبر سنها، وكان في مجلس الملك الشيخ عبدالله بن عبداللطيف قاضي الرياض - آنذاك - فشفع له فأعفاه من القضاء، فعاد - رحمه الله - مغتبطا ليسعد بخدمة والدته ويرعى بُنياته، ويكون بجانب أسرته، وكان الأخ محمد هو ساعده الأيمن طيلة مدة عمله في كلا البلدين - رحم الله الجميع -، وكان ذاك الإعفاء سببا مباركا في زواج الأخ محمد - أبو عبدالعزيز - واستقراره في بلده حريملاء حيث استمر في الأخذ بالأسباب في طلب المعيشة من بيع وشراء معتمدا على الله ثم على ساعديه حيث كافح وصال وجال في هذه الحياة غير معول على أحد فهو عصامي لا عظامي، ولقد أجاد الشاعر حيث يقول:

وإنما رجل الدنيا وواحدها

من لا يعول في الدنيا على رجل

وبعد عقود من الزمن عمل فترة وجيزة في الفرع الزراعي بحريملاء حتى تقاعد..، واستمر في مزاولة الأعمال الحرة حتى توفاه الله، مخلفا ذرية صالحة بنين وبنات، وهذه نبذة وجيزة عن مشواره في الحياة عبر السنين الماضيات، غفر الله له ولوالديه وأصلح عقبه إنه سميع مجيب.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد