Al Jazirah NewsPaper Tuesday  09/02/2010 G Issue 13648
الثلاثاء 25 صفر 1431   العدد  13648
 
قصص وطقوس لبنائها وتشييدها
أبراج وقلاع عسير من حفظ الغلال وقنص الأعداء إلى متاحف في الهواء الطلق

 

أبها - عبدالله الهاجري

كان أهالي منطقة عسير يعتمدون كثيراً في بناء القلاع متعددة الأدوار لأنها وسيلة عسكرية تحميهم من الأعداء، حيث يتحصن أبناء القرية في هذه القلاع للذود عن قريتهم. ولأن هذه القلاع تعتبر وسيلة حفظ مهمة للأرزاق من الحبوب والتي كانت أكلتهم الوحيدة. أما الآن فتعد قلاع صوامع الغلال المبنية من الطين في قرى منطقة عسير وتنتشر كثيراً في قرى قبائل قحطان تعد متاحف أثرية مفتوحة.. والقلعة أو «القصبة»، متعددة الأدوار، وقد تعود ملكيتها لمواطن أو يشترك في امتلاكها أكثر من شخص، تحفظ فيها الغلال لعقود، وترتفع من ثلاثة إلى ستة أدوار، وكانت تستخدم قديماً لحماية القرية، حيث يتحصن بها المدافعون للدفاع عن النفس، والمال، وتسمح النوافذ الصغيرة المبنية بزاوية 45 درجة، باقتناص الأعداء من أعلى. تُبنى القصبة من الطين الممزوج بالتبن لتشكل مداميك متعددة ومنها إلى أدوار، ويتكون الدور من غرفة، ويكون السلم حلزونياً من أغصان الأشجار يفصله مسطبة صغيرة للاستراحة أثناء التسلق، ودخول الغرفة التي خصصت لنوع ما من الحبوب، وبها عدة أرفف مستطيلة يوضع بها الحب، ويسهم في الحفاظ عليها نوافذ صغيرة «مواشيق» تسمح بمرور تيار هواء معتدل يعمل على حفظ المنتج لفترات طويلة.

«الجزيرة» ناقشت قصة هذه القلاع وكيفية بنائها ومراحل الاتفاق عليها كما كان معمولاً قبل ما يقارب من 150 الى 200 سنة.

اتفاق البناء

يشرع البنّاء (الباني) في بناء الدور الأول بعد جمع مال القصبة أو بيوت الطين؛ وهي عبارة عن حفنة من النقود الفرنسية، حيث يبرم صاحب القصبة عقداً شفهياً معه للقصبة أو للمساكن الطينية، ومع النجار وشخص آخر مساعد يدعى «الرتاب»، يُحضر المالك الأخشاب الضرورية (سيقان شجر الطلح وسيقان شجر الحمض والنظار) واليراع وهو يشبه قصب الذرة لكنه أطول بكثير ويبدو أقوى.

الرقف

يحضر المالك أو من ينيبه المواد الضرورية مثل «النطف أو الرقف» وهو رقائق من حجر على هيئة مستطيلات أو مربعات أو مثلثات، من موقع لا يبعد عنهم سوى عشرة كيلومترات، وكانت المواد تجلب على ظهور الحمير.

المخلابة

يعمل الجميع على تكوين حفرة دائرية قطرها عشرة أمتار، وعمقها متر ونصف المتر، وتسمى (المخلابة)، ويُحفر إلى جوارها أخرى بعمق ثلاثة أمتار وقطر مترين وتسمى تلك الحفرة (المركى)، ويتم إنشاء جدول لإيصال الماء من البئر إلى المخلابة والمركى ويطلق على ذلك الجدول (المسكرة).. ويشرع فريق البناء في تجهيز اللبن (الخلب) بإحضار الطين الأبيض وإضافته إلى طين يسمى (الصفرة) ليوضع فوق طبقة من الرمل الأسود (بطحاء) مع بعض التبن، في المخلابة، وطين من بقايا بيت متهالك قديم يسمى (النُقض).

المركى

وما أن يصل سمك الطين المخلوط في المخلابة إلى نحو 80 سم حتى يقوم الرتاب بريّ «سقيا» المخلابة بالماء، مستخدماً الثيران في جلب الماء ليملأ المركى (مستودع للماء) للاستخدام في اليومين التاليين، في اليوم الثاني وعقب صلاة الفجر يقوم الفريق بمزج الأتربة «المخلابة» بثورين حتى صلاة المغرب، وتسمى تلك العملية ب(برصع المخلابة) ليزيد تماسك الطين، وما إن يستوي الخلب، يقوم المساعد بقلب طين المخلابة بوساطة المساحي، وهنا يصبح اللَّبِن (الخلب) جاهزاً للبناء.

البنّاء

في اليوم التالي يحضر البنّاء، وقبل الشروع في الرصف وإنشاء المداميك يتوجب على أهل البيت إطعامه براً وسمناً.. وعلى مالك البناء الاستعانة بمجموعة من أهل القرية لمساعدتهم في رفع الخلب والرقف وتقديم وجبات يومية للعاملين وقت إنشاء المدماك وهذه العملية قد تصل إلى شهر أو أكثر.

المدماك

يستلم الزنبيل «المكتل» المملوء بالخلب شخص فوق السطوح برافعة خشبية قد تجرها الحمير أحياناً تسمى (كَلَب) وفي تلك الأثناء يعمل آخرون على تقطيع كُتل الخلب ومناولته للبناء ليصفّه مشكّلاً المدماك، وهو «حائط بارتفاع 50 سم» وعرضه كذلك.

أثناء العمل يتناول الجميع طعام الإفطار (قروع) خبز في التنور يؤكل مع قهوة الصباح، وعقب الانتهاء من المدماك الأول قبيل صلاة الظهر يتناول العمال وجبة دسمة (لحم وعصيدة ومرق).

اللهج

أثناء عملية البناء يقوم النجار بإعداد النوافذ الخشبية (اللهج) وسقف السلم، وأعمدة سقف المنزل الخشبية العرضية (العسيل) وقطع الخشب الصغيرة (السهوم) وفي المدماك التاسع يتم تثبيت العسيل، وبعد العاشر تثبت السهوم فوق المدماك من طرف وفوق العسيل من الطرف الآخر، بعد أن أصبحت السهوم جاهزة والمسافة بينها 50 سم، يبدأون في تغطية الفراغات بين السهوم باستخدام اليراع، بصفّه فوق السهوم وربطه ووضع الخلب فوقها، وتسمى تلك العملية ب(الودفة) وسمكها 15سم.

وقد يضيف المالك ثلاثة مداميك أو أكثر فوق السطح سترة للبيت، ومطبخاً صغيراً (مسقفاً) نظراً لاستخدامهم الحطب، حتى تكون الأدخنة الصاعدة في أعلى البيت.

كسوة

ما أن ينتهي البنّاء والنجار والمساعدون من أعمالهم، حتى يقوم صاحب المنزل بذبح رأس من الأغنام إكراماً لمن أسهم في بناء بيته، ثم يقدم لهم أجرهم وفوق ذلك كسوتهم (ثياباً وغتر)، وقبل مغادرتهم يكون لزاماً عليهم إعلام أهل القرية بأنهم استوفوا كامل حقوقهم وتم إكرامهم، فيعتلي أحدهم سطح المنزل، ويصدح قائلاً: (من هي له البيضاء فهي مبنية من بيشة الغيناء لنجران، هي ل»فلان» بيّض الله وجهه)، عندها يتسابق أهل القرية للرد بصوت عال، من مواقعهم ومن فوق أسطح المنازل «بيض الله وجهه»، متبوعة بإطلاق ثلاثة أعيرة نارية في الهواء.

سيدة المنزل

يتوجب على زوجة المالك إعداد الطعام في الفترات التي لا يمكن لأهل القرية فيها تقديم الدعم الغذائي، وتغذية الثيران والحمير «تلقيم»، وطلاء المداميك وإحضار مياه الشرب ب»القربة»، وإعادة تنوير المنزل من الداخل بالجص الأبيض، وطلاء أرضية المنزل بنوع خاص من الطين وعمل وزرة بارتفاع متر، تطليه بعصارة ورق البرسيم وتخضير الأرضيات بورق البرسيم، وإن كانت سيدة المنزل ذات ميول فنية في تشكيل القطة «الرسم على الجدران»، وإلا فإن عليها الاستعانة بخبيرة لإعداد الألوان ومزجها والرسم على الحائط.

التنور

يلزم سيدة المنزل تجهيز المسقف (المطبخ) بتثبيت التنور فيه وتجهيز مكان لحفظ كمّ معقول من الحطب (حضن) ويسمى ذلك (بالمصْلا) وإعداد الأثافي (ثلاث حجرات) لتنصب فوقها (البرمة أو القدر)، وإعداد المصواط (غصن شجرة طلح مقشور بطول 50 سم تقريباً ينتهي رأسه بزائدتين ليسهل تقليب العصيدة بها).

الخبية

في وليمة المنزل يأكل الجميع ما تيسر من اللحم، ويحتفظ كل ضيف من الجماعة بجزء من قسمه، لزوجته وبناته ويسمى ذلك (بالخبيّة).

وكان رب المنزل يقدم العصيدة والمرق، ويغمس الضيوف حسب السن لقيمات العصيدة في المرق، وإذا نهض كبير القوم نهض الباقون لإفساح المجال لمن يأتي بعدهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد