القاهرة - سجى عارف:
في إطار جهود الملحقية الثقافية السعودية بالقاهرة تتواصل فعاليات البرنامج الثقافي الذي تعده الملحقية وتشرف عليه وزارة التعليم العالي بجناح المملكة العربية السعودية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثانية والأربعين حيث أقيمت ندوة بعنوان (أدب الحوار) للأستاذ الدكتور محمد بن علي بن فراج العقلا الذي كان عضواً في هيئة التدريس بجامعة أم القرى و أصبح الآن مديراً للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وله العديد من المؤلفات والكتب وأشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه، وبحضور الأستاذ محمد عبدالعزيز العقيل الملحق الثقافي بالقاهرة ولفيف من الإعلاميين والمثقفين وعشاق الثقافة والإبداع بدأت الندوة بكلمة من الدكتور فهد القاشي مقدم الندوة الذي تحدث عن أدب الحوار في الإسلام وكيف كان الدين الإسلامي سباقا لذلك والأمثلة كثيرة ومنها: قوله تعالى «ادعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة». وقوله تعالى «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن». حتى مع الطاغية فرعون كان الدين أرفق بالحوار معه ويثبت القرآن ذلك في قوله تعالى «وقولا له قولا لينا». فهل يلين القول إلا بالحسنى وأدب الحوار وقد حدد الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام آداب الحوار مع كل من خاطبهم من مشركي قريش ونصارى نجران ومع يهود المدينة من هنا تحدوا النبض الحي لكل من دعا إليه القرآن في الجدل بالتي هي أحسن وفي الحوار «وقولوا للناس حسنا»
فالدين الإسلامي يأمر بالحوار بلا تحامل على المخالف ولا تخويف له فالنفس لا تنزل عن عنادها وكبريائها إلا باللين والرفق. ثم وقد بدأ الأستاذ الدكتور محمد العقلا محاضرته مثنيا وشاكرا للجهود المبذولة من قبل منظمي معرض القاهرة الدولي للكتاب والقائمين على تنظيم الجناح السعودي ممثلا في الأستاذ محمد العقيل وممثلي وزارة التعليم العالي، ثم تحدث قائلا إن أدب الحوار هو موضوع حيوي وقضية الساعة وخاصة بين أصحاب المعتقدات والثقافات، والحوار في لغتنا العربية هو مراجعة الكلام وإدراك الفاسد من القول، وهناك فرق بين الخلاف والاختلاف، فالخلاف يكون أعمق في النفس مما يصعب مهمة التقارب بين الآراء، أما الاختلاف فهو ما نستطيع من خلاله تقريب وجهات النظر المتباعدة، والقرآن والسنة كان في معظمها حواراً سواء بين الأنبياء وبعضهم أو بين الأنبياء وأقوامهم، ولنا في رسول الله أسوة حسنة فلقد صبر النبي (صلى الله عليه وسلم) على الأذى الجسدي والنفسي طويلا ولم يحدث عنه أن عامل الآخر بنفس معاملتهم، وواصل حديثة قائلا إن مبدأ الحوار في حد ذاته يعد ركيزة من ركائز الدعوة الإسلامية، فالإسلام يؤمن بالحوار ويأمر المسلمين به، كذلك إن الإسلام ليس في صراع مع الآخر حتى لو كان مخالفا في العقيدة، حيث إنه يعترف بالآخر، وإن القرآن يرسي قواعد الحوار مع الآخر على أساس الحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وهناك الكثير من الآيات الدالة على ذلك التي تشكل المفهوم والمنهج الحضاري المتكامل في ترسيخ مبدأ الحوار بين الأمم والشعوب، وأكمل قائلا ماذا يريد المسلمون من الغرب قبل بدء الحوار، وبصفتنا مسلمين نريد من الغرب أمران جوهريان هما:
1- أن يتحرر من عقيدة الخوف من الإسلام فالإسلام ليس العدو الأخضر البديل عن العدو الأحمر.
2- إن المسلمين لم يبدؤوا الغرب بالحروب العدوانية بل كان الغرب دائما هو المستعمر والمحتل لأراضيهم والمستغل لثروتهم ومقدراتهم، والعالم ينظر إلى الإسلام منذ 11 سبتمبر بأنه دين الإرهاب والعنف وهذا ليس له أساس من الصحة، لأننا لا يجب أن نربط بين أي جريمة وبين ديانة مرتكبه، فلقد سبقنا الغرب في تلك العمليات الإرهابية، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك، وعلى الرغم من ذلك لم يتهم أحد الدين المسيحي بالإرهاب، وقد يكون المساعد للغرب في الخلط بين الأعمال الإرهابية وبين الإسلام إن بعض من يفعلون ذلك يلصقون هذه الجرائم بالإسلام، والمحزن أن الأقليات هي من تدفع الثمن، فيجب أن يدرك الجميع أن كل تصرف محسوب ويجب أن نستغل الفرصة للتعريف بالإسلام. وأوضح متسائلا مع من يتحاور المسلمون؟ إن العقبة الكئود التي تحول دون المسلمين وحوارهم مع الآخر تكمن في الآخر نفسه فيتعمد بعض أفراده الإساءة إلى نبي الإسلام ورموزه تحت مزاعم حرية الرأي والتعبير، وكذلك يتعمد بعض أفراده تحريف حقائق الإسلام من غير جهل به ويغذي مشاعر الخوف من الإسلام في ناشئته وهو يعلم أن الإسلام لم يكن مصدراً للخوف وكذلك ينكر الآخر فضل الإسلام على الحضارة الحديثة وهو يعلم أن الإسلام جزء من ماضيها وحاضرها وليس شيئا منفصلا عنها والآخر يرى أن الإسلام هو العدو البديل للشيوعية واستخدموا الديمقراطية وحقوق الإنسان في التدخل في الشئون الداخلية للمسلمين، فمع من يتحاور المسلمون والآخر يقيم في وجههم كثيرا من العقبات، وهل يمكن أن يثمر الحوار مع الآخر عن نتائج ملموسة، إننا لا نرفض الحوار مع الآخر، ولكننا فقط نذكره بأسباب حذرنا وتوجسنا الخفية منه، ونحن مع كل هذه المحاذير نمد أيدينا إليه طالبين الصداقة لا العداء، التفاهم لا التجاهل، الانفتاح لا الانغلاق، التعاون لا المجابهة، وأشار كذلك أن الإعلام له دور سلبي أكثر منه إيجابي، فغالبية الفضائيات فيها تربص، وقد يكون المقدم أو المعد يسعى لتحقيق هذا الهدف، وهذه هي خطورة الإعلام في بث الفرقة والتشتت، والفتاوى المغلوطة مما يودي إلى وقوع المشاهد فريسة لهذه المغالطات وكثرة الفتاوى المتضاربة. أما عن جهود المملكة العربية السعودية في تفعيل دور الحوار فقد أسهمت في إرساء دعائم الحوار الحضاري مع الآخر، وهذه ينبثق من دستورها وأنظمتها المستمدة من القرآن والسنة، ومن هنا لابد أن نفرق بين الآخر الذي يمكن إجراء الحوار معه، والآخر الذي لا يجوز شرعا إجراء الحوار معه فالله سبحانه وتعالى ينهانا عن حوار من ليس من أهل الكتاب، كما ينهانا عن حوار الظالمين، ومن هذا المنطلق فإن المملكة لم تقم أي حوار مع الشيوعية الملحدة، ولم تجر أي حوار حتى الآن مع الصهيونية المغتصبة للقدس الشريف والظالمة للشعب الفلسطيني الشقيق، ولكنها على استعداد لإجراء الحوار معها إذا انتهت عن ظلمها وانصاعت للشرعية الدولية وردت الحقوق إلى أصحابها ويأتي من أبرز جهود الحوار التي أجرتها المملكة ما يلي:
- الحوار الذي تم بين الملك فيصل بن عبد العزيز والبابا بوليس السادس بابا الفاتيكان عبر المستشارين الخاصين لكل منهما عام 1385- 1965.
- المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي عقدته رابطة العالم الإسلامي تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز
- المؤتمر العالمي للحوار المنعقد في مدريد عام 2008 وتحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز ومبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للحوار بين أتباع الأديان والثقافات الحضارية والتي توجت باجتماع عالي المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة في 2008 بناء على طلب من خادم الحرمين الشريفين لمواصلة الحوار العالمي الذي انطلق من مدريد وقد ألقى فيه الملك عبدالله بن عبد العزيز خطابا تاريخيا دعا فيه إلى مواصلة الحوار بين أتباع الديانات
- والزيارة التاريخية التي قام بها الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى بابا الفاتيكان بنديكتوس السادس عشر والتي أكدت على عدة أمور من أهمها:
1- نفي مقولة تعصب المسلمين ورفضهم الحوار مع الآخر.
2- التأكد على مصداقية المسلمين في الحوار مع الآخر.
3- التأكد على منهج الوسطية والاعتدال الذي تعتنقه المملكة العربية السعودية.
كما أن المملكة لم تكتف بالجهود الفردية لتعزيز الحوار الحضاري الإسلامي مع الآخر بل إنها أنشأت مؤسسات متخصصة لتعزيز هذا الحوار ومن أبرزها مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي تأسس عام 1424هـ في مدينة الرياض، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بمدينة الرياض، وكذلك كان لرئاسة الحرس الوطني دور كبير في تعزيز الحوار الحضاري مع الآخر ومنه تخصيص البرنامج الثقافي لمهرجان الجنادرية لعامي 1416-1417هـ لمناقشة موضوع العلاقة بين العالم الإسلامي والعالم الغربي.وقد دعت ضمن فعاليات المهرجان الأول عام 1416هـ الدكتور صامويل هنتغون صاحب نظرية صدام الحضارات الشهيرة لمحاورته ومناقشته، وأكمل قائلا لا يمكن أن نغفل الدور الرائد لعدد 36 مركزا ثقافيا إسلاميا ترعاه المملكة في أوروبا والأمريكتين وأستراليا في إقامة ودعم وتشجيع الحوار الحضاري بين الإسلام والآخر وتصحيح الصورة الحقيقية للإسلام التي شوهها الإعلام الغربي في ذاكرة ومخيلة العقل الغربي، واختتم محاضرته مشيدا بالدور المصري في الحوار مع الآخر ومن أبرزها الحوار بين جامعة الأزهر ومجموعة من قساوسة الفاتيكان والذي بدأ في أوائل التسعينات والذي أسفر عن إقامة لجنة اتصال دائمة للحوار بين الأزهر والفاتيكان.