Al Jazirah NewsPaper Wednesday  10/02/2010 G Issue 13649
الاربعاء 26 صفر 1431   العدد  13649
 
الديمقراطية الأوكرانية والمتهكمون
نينا خروشوفا

 

(اللعنة على مجلسيكما). هذه العبارة قد تشكل الرد الفردي المناسب على الإحباط الناتج عن عدم الرضا عن المرشحين السياسيين المتقدمين للانتخابات. ولكن هذه المشاعر تصبح في غاية الخطورة حين تعرب عنها الحكومات. إن القدرة على الاختيار تشكل جوهر الحكم، والامتناع عن الاختيار - لأي سبب من الأسباب - يُعَد تنصلاً من المسؤولية.

ولكن يبدو أن هذا هو موقف الغرب بالكامل فيما يتصل بالجولة الثانية المقبلة من الانتخابات الرئاسية الأوكرانية. فبعد أن تبين أن ثورة 2004 البرتقالية تحولت إلى سلسلة لا تنتهي من الإحباط، يتصرف أغلب زعماء الغرب وكأنهم لا يجدون أي فرق بين فوز رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو أو فوز منافسها فيكتور يانوكوفيتش في السابع من فبراير - شباط.

ولكنهم مخطئون، ليس فقط بشأن المغزى من هذه الانتخابات بالنسبة للشعب الأوكراني، الذي تحمل الكثير بكل صبر، بل وأيضاً بالنسبة للأمن والاستقرار في مختلف أنحاء أوراسيا. فإن كانت الثورة البرتقالية قد أظهرت أي شيء، فهو أن السياسة الأوكرانية ليست هي تلك السياسة المتأرجحة بين قوى متعارضة تتفق على القواعد الأساسية للعملية الديمقراطية. بل لقد بات من الواضح من خلال كلمات يانوكوفيتش ذاته أنه لا يقبل بشرعية الثورة البرتقالية، وهو ما يعني أنه لا يقبل المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الديمقراطية والذي يقضي بأن المرء لا يستطيع أن يشق طريقه إلى السلطة بالغش والتضليل.

لا شك أن يوليا تيموشينكو ليست قديسة. فقد اقتطعت لنفسها حياة مهنية تجارية ناجحة في صناعة الغاز الخشنة الوعرة في مرحلة ما بعد العهد السوفييتي. ولقد حاول خصومها بلا هوادة تلويث حياتها المهنية التجارية بوصمة الإجرام. ولكن حتى حين سيطر خصومها على الجهاز العدلي الأوكراني بالكامل فلم يتمكنوا من إلصاق أي اتهامات جنائية بها.

والأمر الأكثر أهمية في حالة تيموشينكو هو سجلها في الحكومة. ففي شهر سبتمبر - أيلول الماضي وقف العالم على حافة انهيار مالي عالمي. وأثناء العام الذي مر منذ ذلك الوقت عملت حكومة تيموشينكو بشكل منتظم على الحفاظ على الاستقرار الدولي، حتى ولو كان ذلك يعني تلقي الضربات السياسية في الداخل. ففي غضون أيام من اندلاع الأزمة، دخلت حكومتها في محادثات مع صندوق النقد الدولي بهدف تأمين الحصول على قرض لدعم الاقتصاد الأوكراني في مواجهة الأسوأ، فتوصلت إلى اتفاق بسرعة تكاد تكون قياسية، وذلك على الرغم من الاعتراضات السياسية الداخلية على الشروط الصارمة لذلك الاتفاق.

ورغم أن العالم بالكامل عانى بِشِدة من الأزمة، فإن الضربة التي تلقتها أوكرانيا من جراء الأزمة كانت الأشد بين أغلب البلدان، وذلك بعد انهيار الطلب العالمي على الصُلب، والذي كان يشكل 42% من صادرات أوكرانيا أثناء النصف الأول من عام 2008. ومع تسارع وتيرة الأزمة، أصبحت أوكرانيا معزولة بالكامل عن الأسواق المالية العالمية، وذلك على الرغم من التمويل العام السليم، وتدني مستويات الديون الخارجية.

وبعد عام واحد بدأ اقتصاد أوكرانيا في التحسن. وبعد السقوط الرهيب في أواخر 2008 وأوائل 2009، حقق الإنتاج الصناعي في شهر يوليو - تموز نمواً بلغ 5% مقارنة بنفس الشهر من العام السابق. ومن المرجح أن تعود أوكرانيا في العام المقبل إلى النمو الاقتصادي المتين.لقد نجحت حكومة تيموشينكو رغم الضغوط الهائلة في إبقاء العجز في الموازنة تحت السيطرة. كما هبطت مستويات التضخم من 31% في مايو - أيار 2008 إلى حوالي10% حالياً. أما العجز في الحساب الجاري فقد زال تقريباً، وتم احتواء الأزمة المصرفية. كما بلغت الاحتياطيات الدولية لدى أوكرانيا 26 مليار دولار أميركي، وهو رقم مطمئن إلى حد كبير، حيث يعادل ربع الناتج المحلي الإجمالي للبلاد تقريباً. كما نجحت حكومتها فضلاً عن ذلك في تعديل أسعار الصرف، ونظراً للظروف الدولية، فقد أصبحت الأسعار مستقرة، الأمر الذي يعزز من القدرة التنافسية الدولية لأوكرانيا.ولقد حرصت حكومة تيموشينكو أيضاً على الانفصال عن النظام العتيق في التعامل مع قطاع الغاز، الأمر الذي أسفر عن زيادة أمن الطاقة في أوروبا. وبقدر معقول من المجازفة السياسية الداخلية، أتمت تيموشينكو اتفاقية طويلة الأمد لنقل وشراء الغاز مع روسيا، وهي الاتفاقية التي اتسمت بالشفافية والتوجه نحو السوق، هذا إلى جانب عقد اتفاقية بعيدة الأثر مع الاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة التعمير والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، بشأن إصلاح قطاع الغاز الأوكراني ونظام مرور الغاز. والواقع أن يانوكوفيتش، الذي يعتمد في تمويل حملته الانتخابية على المستفيدين الرئيسيين من نظام الطاقة الفاسد القديم، يبدو على يقين من قدرته على إبطال هذه الإصلاحات، وبالتالي التسبب في عودة المخاطر الجسيمة إلى أسواق الطاقة الأوروبية.

وعلاوة على ذلك فقد تمكنت تيموشينكو من إدارة أزمة أوكرانيا بنجاح على الرغم من المقاومة الهائلة وغير المسؤولة في كثير من الأحيان من جانب خصومها السياسيين، الذين كثيراً ما تسببوا في إصابة البرلمان بالشلل كلما رفضت الحكومة قبول الاقتراحات الشعوبية التي قد تؤدي إلى تقويض الجهود الرامية إلى دعم الاستقرار المالي. والعجيب أن الرئيس فيكتور يوتشينكو كان يستخدم حق النقض بانتظام ضد القرارات الضرورية لدعم الاستقرار، بما في ذلك كل الجهود في مجال الخصخصة.

إن تيموشينكو تستحق شكر الغرب وتقديره لجهودها في إبقاء أوكرانيا ثابتة على قدميها طيلة الأشهر الخمسة عشر الماضية، وليس ما نراه الآن من سخرية وتهكم. إن سجل تيموشينكو في العنف وازدراء القواعد الديمقراطية راسخ إلى الحد الذي لا يجعلنا نتصور بأي حال من الأحوال أنه قد يسمح لأحد بتهديد مركزه مرة أخرى في حالة فوزه. إن انتصار يانوكوفيتش قد يجعل من الانتخابات المقبلة آخر تصويت حر تشهده أوكرانيا لأعوام طويلة.

مؤلفة كتاب (تخيل نابوكوف: روسيا بين الفن والسياسة).
خاص (الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد