Al Jazirah NewsPaper Monday  15/02/2010 G Issue 13654
الأثنين 01 ربيع الأول 1431   العدد  13654
 
الرئة الثالثة
كيلا يتحول التقاعد إلى حالة من (الموت قاعداً)!!
عبد الرحمن بن محمد السدحان

 

الحديثُ عن التقاعد والمتقاعدين.. أمرٌ لا يغرب عن البال، وقد كرّمتني مجلة (التقاعد) التي تصدرها الهيئة العامة للتقاعد، باستضافتي عبر لقاء موسّع تناول موضوعات شتَّى ذات صلة وثيقة بالمتقاعدين. وكان من أهم محاور اللقاء موضوعُ التحضير لما بعد التقاعد، وتباينُ أساليب التعامل مع هذا (المصير)!

مهَّدتُ للحديث عن الموضوع سالف الذكر بردٍّ على سؤال حول ما إذا كان الموظفُ يرتبطُ بسنٍّ معيَّن للتقاعد، أم أنَّه قادرٌ على العطاء باستمرار، فقلت (مع شيء من التصرف) إنَّ شغلَ الوظيفة العامة أمرٌ مقنَّنٌ نظاماً بمدة معلومة، تنتهي بسنِّ الستين أو ما دون ذلك لمن يرغب التقاعد مبكِّراً، شريطةَ ألا تقل خدمته عن عشرين عاماً، ويجوز بقرار من مجلس الخدمة المدنية، تمديدُ خدمة مَنْ بلغ السنَّ الستين باستمرار شغله لها إمّا تمديداً أو تعاقداً حتى يبلغ سنّ الخامسة والستين، ثم يحال إلى التقاعد بقوة النظام.

أمّا أن يكون الموظف قادراً على العطاء فترةً تطولُ أو تقْصر، فمسألةٌ فيها نظر، وقد جادلتُ في هذا الأمر قائلاً إن هناك فروقاً فردية بين الموظفين لأنهم ليسوا في الأصل سواء، ككُلّ البشر:

- فمنْهُم من يُجْهِدُه العملُ إجهاداً، حتى ينفدَ صبرُه، وينفقَ حيلُه وتبورَ حيلته، ثم يلتمس درباً للخروج إمّا عبر التقاعد المبكر، أو الاستقالة.

- ومِنْهم من يمارس العمل الذي يعْشقُه سَاعات طوالاً بلا انقطاع، خَلا وقفات قصيرة للراحة، فلا يزيدُه العملُ إلا التزاماً به وتحدياً لمواجهته، وسروراً بإنجازه، وقد يدركه سنّ التقاعد فجأة وهو له كاره، حين يكون في ذروة حماسه وعطائه!

وقياساً على ذلك، أقول إن الناسَ في مسألة التعامل مع سنِّ التقاعد مختلفُون، منهم من يتمنَّاه ويكاد يهرول إليه هرولةً إما التمَاساً للراحة، أو الرغبة في خوض تجربة عمل جديد أسْخَى إغراءً، وأبلغ تحدياً، ومِنْهُم من يَخْشَاه خشية الخائف إمّا لأنه لا يملك (خارطة طريق) لحياته بعد التقاعد، أو لأن التقاعد سيصْرفه عن ممارسة عمل عَرفَه وألِفه عبْر السنين، ويستمد منه إشباعاً لطموحاته المشروعة، وإذا كان من المبدعين إنجازاً والموهوبين تأهيلاً، ازدادَ إشْفَاقاً من استقبال التقاعد، والتمسَ أكثر من سبيل لتمديد الخدمة.

وبوجه عام، لا توجد طريقةٌ مُثلى بعينها لاستغلال الوقت بعد التقاعد، وأنصح من ينشده في أيّ سن ولأيّ ظرف ألا يهدرَ الوقتَ المتاحَ له هدراً فيما لا يفيد، وما عدا ذلك، فإن «لكل إمام طريقته»، وفق معطيات خاصة به.

هناك من قد يستثمر وقته في القراءة وربما الكتابة، وهذا نهج حميد لمن أُوتِيَ القدرةَ على ذلك. وهناك من قد يستثمره في ممارسة هواية مفيدة قد تتحول مع الوقت إلى مهنة ذات نفع، وهناك من قد يطرق أبواب التجارة أو الصناعة أو يلتمس باباً من أبواب المهن الحرة إن كان له إلى ذلك من سبيل. وفي كل الأحوال، الوقت ثروة، إن لم تُسْتثمر لمقصد حميد تحولت إلى (مقصلة) تفتك بصاحبها.

وختاماً، أؤكِّد أنَّ التخطيط لفترة (ما بعد التقاعد) ضرورة كيلا يتَحوَّلَ التقاعدُ إلى كابُوس يَشُلُّ الحركةَ ويعمي الفكر ويُبْلي البدن، ويأتي في مقدمة ذلك البحثُ عن وسيلة أو أكثر لاستثمار الفراغ بنشاط أو أكثر يعود بالفائدة على صاحبه، وليس من الضرورة بمكان أن يُشْغِلَ المرءُ وقتَه كلَّه بعمَل يُرهقُه إرْهَاقاً يَحْرمُه فُرصَ الراحة المشروعة، مثلما أنْ ليسَ من العدل أن يُزْهِقَ وقتَه بما يرهقُه روحاً ويُوهِنُه بَدَناً، باسم الراحة، ثم لا يجد ملاذاً من (الموتِ قاعداً) بعد حين!!




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد