Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/02/2010 G Issue 13655
الثلاثاء 02 ربيع الأول 1431   العدد  13655
 
الكيد الصهيوني والانبعاث العالمي (5-6)
أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري

 

أول شتات لليهود بدأ في سنة 71 بعد بعثة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام؛ فتقاذفت بهم قارات العالم بسبب جرائمهم الفظيعة ضد البشرية، وسعيهم بالفساد، وسعيهم في إفساد النصرانية بعد أن ظنوا أنهم قتلوا المسيح، وزعمهم أنه ليس هو رسول الله المسيح المبشَّرَ به، وأنه لم يبعث بعد، وكالوا التهم لمريم العذراء عليها رضوان الله وسلامه، وقد قام الفيلسوف المؤرخ الطلعة «ول ديورانت» بتأريخ جامع موجز في آنٍ واحدٍ لحال هؤلاء اليهود في الشتات فلاحظ سعادتهم التي لا حدَّ لها في ظل الدولة العثمانية المسلمة بتركيا وسوريا وفلسطين وجنوب جزيرة العرب ومصر وشمال أفريقيا، وفي أسبانيا في ظل حكم المسلمين؛ مما دعا إلى تسامح البربر معهم على كُرْهٍ، وفي الإسكندرية: شربوا الخمر بكثرة، وتربَّعوا على البُسُط، وجعلهم الوالي العثماني المسلم في فلسطين أسوةَ أهل الأديان الثلاثة في بلاد المسجد الأقصى المبارك في إقامة أهل كل دين شعائرهم هناك؛ فبنوا معبداً على جبل صهيون، وحجَّ بعضُ يهود الشتات إلى فلسطين، وكتبوا إلى زملائهم في ألمانيا عن حياتهم الطيبة في ظل المسلمين.

ولاحظ مرارة تعبيرهم عن الغرب - بالغين المعجمة - الذي لا يُغْفر ولا يصفح، وعدم فتور الكنائس عن المطالبة بالتطبيق الكلي للقوانين الكنسيَّة بالتجريد ضد اليهود.

ولاحظ أن هذا العداء الكنسي لليهود ليس قاصراً على الوجه التاريخي القبيح لليهود ضد عيسى عليه السلام ورسالته، بل استجدت أسباب يهودية عدوانية مثل كثرة إدانتهم بقتل أطفال النصارى لشرب دمائهم حسب طقوس عيد الفصح عندهم؛ ولذلك وقائع كثيرة جداً منها ما وجدوه في التلمود من إباحة الخداع والسرقة والسلب وقتل المسيحيين، ومنها كارثة «الموت الأسود» عندما سمَّموا الآبار والعيون؛ فحصل طاعون عظيم عام في المغول والمسلمين، ولم يكتشف سببه سوى الأوربيين؛ فأثبتوا أن يهود طليطلة أرسلوا صناديق ملأى بالسم الذي صنعوه من السحالي والعضاءات من الزواحف.. إلخ إلى جميع الجاليات اليهودية في أوروبا؛ فألقوا سموماً مركَّزة في الآبار والعيون، فتساقط المسيحيون ولم يُصب يهودي واحد.

ولاحظ استحقاقهم لما وقع عليهم من عقوبة النصارى لهم مما يعدُّه اليهود وحشية، والواقع أن ما حلَّ بهم من عقاب هو المقابل لوحشية جرائمهم.. على أن المسلمين لا يعاقبون المجرم إلا بمحاكمة شرعية وقضاء له صفة القطعية أو الرجحان، وإذا وصلت العقوبة إلى الإعدام أحسنوا القِتْلة بمقتضى دينهم.

ولاحظ أن كل تعاطف من النصارى مع اليهود كان له سببان:

أولهما: إتقان اليهود للحرفةَ، ومهارتهم في الاقتصاد وجمع المال.

وثانيهما: إن اليهود لم يصلوا إلى مرحلة الشتات إلا بعد تمكُّنهم من تزوير ما جاء به المسيح عليه السلام من عند ربه من دسِّ ما لا يليق بجلال الله وعظمته في أسمائه وصفاته، وما لا يليق بجلاله وعظمته في أفعاله وشرعه من إباحة الفواحش والفساد، ولا يليق برسله وأنبيائه عليهم السلام الذين اصطفاهم من خلقه.. وكل ذلك مما لا يقبله ولا يتصوره العقل الإنساني المشترك؛ لهذا كانوا سريعين إلى قبول أي تصحيح وإصلاح، وكان اليهود مبادرين لهذا الإصلاح والتصحيح بما هو أشنع؛ فتعاطفوا معهم من أجل هذه المبادرات المضلِّلة بصيغة اسم الفاعل؛ فلما زاد الطفح سهل قبول الإلحاد والتحرُّر من الدين؛ فمن مبادراتهم تمجيد المسيح عيسى بن مريم، وأنه المخلِّص المنتظر؛ فقبل الأوربيون هذه المبادرة مع أنها في الواقع تكريس لتاريخهم العدائي؛ لأن عقيدتهم أن المسيح لم يُبعث بعد، وأن هناك مسيحاً يهودياً دجالاً منتظراً، وهذا الخلط بين المسيحَيْن هو بوابة الاختراق اليهودي للنصارى، وهو الركيزة لخرافة (هرمجدون).. أي تل مدينة مجيدو من مدن فلسطين، وهي أسطورة خرافية من غير وحي معصوم، وقد أصاب الهلع منه مسلمين ومنتسبين إلى الإسلام؛ فوجهوا الرموز الأسطورية التي لا تحدِّد مفهوماً حقيقياً واقعياً لتدل على أمرين: أولهما الموافقة لأدبيات مذاهب المسلمين الدينية ومنها ما لا يصح من شرع الله ولا ينطبق على معانيها ولو بدلالة مرجوحة، ومنها ما هو صحيح الثبوت ولا يصح دلالة على رموز الأسطورة.. وثانيهما الأحداث التي وقعت فعلاً في العصر الحديث، ومجال التضليل في هذا أكثر؛ لأن المنفِّذين في العالم الأقوى من السبتيين (وكان الناس يظنون فيهم أنهم أحديون) مؤمنون إيماناً شديداً بأسطورة هرمجدون كما رسَّخها الكيد اليهودي، ويعملون في تنفُّذهم العسكري والسياسي والاقتصادي في تحقيقها؛ فاجتياح العراق بهذه المأساة التي نراها يطابق تماماً إيعاد بابل بالخراب؛ فظن السذَّج أن هذا تصديق وتمهيد لأسطورة هرمجدون؛ لأن من مقدماتها حسب النص الذي سيأتي إن شاء الله من رؤيا يوحنا اللاهوتي صب الملاك جامه على الفرات حتى انحسر ماؤه.. على أنه لم ينحسر ماؤه، ولكن هناك ركيزتان تمنعان من التسليم بهذه الأسطورة: إحداهما أن العمل العدواني التدميري من السبتيين المتنفذين على وجه الأرض عمل قصدي مخطط له سلفاً؛ ليحقِّق ولو بشكل مقارب شيئاً محتملاً من أسطورة هرمجدون، وهذا ممكن في القدرة البشرية إذا لم يُحدث الله مانعاً منها.. والركيزة الثانية أن المدَّعين أنهم حواريو المسيح عليه السلام أمثال يوحنا بن زبدي صاحب الإنجيل, والرسائل, والرؤيا - لو صح أنه أدرك عيسى عليه السلام - لن يكون حوارياً ألبتة، بل من كفرة بني إسرائيل على دعوى أن الحواريين أخلصوا دينهم لله ولم يكفر أحد منهم.. وإن ترجح أن أحداً منهم ارتد؛ لأن الله قال عن الحواريين وبنى إسرائيل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ? (سورة الصف - 14)، ولا ريب أن مَنْ آمن مِن بني إسرائيل قبل أن يرتد معدود في الحواريين؛ لأن المؤمن مناصر؛ وإنما طلب منه م عيسى عليه السلام نصرة الإيمان في قوله: ?مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ?, كما أنه يُفهم ولو بإيماء بعيد أن بعض الحواريين انحرف؛ لأنهم طلبوا نزول المائدة وليست بأعظم مما جاء به عيسى عليه السلام؛ فمثلاً إحياؤه الموتى ليس بقدرة أحد غير الخالق، ونزول المائدة يحتمل من الكافر معارضتها بأنها من فعل الجن، كما أنهم قالوا: ?هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ? (سورة المائدة - 112)، وهذا ينافي الإيمان، وقد التمس المفسرون لدلالتها مخرجاً.. كما أن عيسى عليه السلام أنكر عليهم ذلك فقال: ?قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ? (سورة المائدة - 112), وأيضاً فإن توعُّد الله بعضهم قد يكون موعظة وأنهم اتعظوا وبقوا على دينهم, وقد يكون إيماءً بارتداد بعضهم, وذلك قوله تعالى: ?قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ الْعَالَمِينَ (115) وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ? (سورة المائدة - 115-116) والسياق عن التقوُّل على عيسى عليه السلام بعد إيعاد الله للحواريين مع ما مضى من سورة الصف يُرجِّح ارتداد بعضهم.. وعلى أي حال لو ثبت أن يوحنا كان حوارياً لكان ممن ارتد.

قال الإمام الحَبْر أبو محمد علي بن أحمد ابن حزم رحمه الله، وقدَّس روحه، ونوَّر ضريحه: «ليعلم كل مسلم أن هؤلاء الذين يسمونهم النصارى، ويزعمون أنهم كانوا حواريِّين للمسيح عليه السلام كباطرة، ومتَّى الشرطي، ويوحنا، ويعقوب، ويهوذا الأخسّاء لم يكونوا قط مؤمنين؛ فكيف حواريِّين؟.. بل كانوا كذابين كفاراً مستخفِّين بالله: إمَّا مقرين بألوهية المسيح عليه السلام معتقدين لذلك، غالين فيه كغلوِّ السبئية وسائر الفرق الغالية في عليٍّ رضي الله عنه، وكقول الخطابية بألوهية أبي الخطاب، وأصحاب الحلَّاج بألوهية الحلَّاج، وسائر كفار الباطنية عليهم اللعنة من الله والغضب.. وإمَّا مدسوسين من قبل اليهود كما تزعم اليهود لإِفساد دين أتباع المسيح عليه السلام وإضلالهم كانتصاب عبدالله بن سبأ الحميري والمختار بن أبي عبيد وأبي عبدالله العردي وأبي زكريا الخياط وعليٍّ النجار وعلي بن الفضل الجنيد، وسائر دعاة القرامطة والمشارقة لإِضلال بعض المسلمين؛ فوصلوا من ذلك إلى حيث عُرِف وسلَّم الله من ذلك من لم يكن من هذا البعض.. وأما الحواريون الذين أثنى الله عليهم فأولئك أولياء الله حقَّاً نَدينُ لله تعالى بمحبتهم ولا ندري أسماءهم؛ لأن الله تعالى لم يُسمِّهم لنا، إلا أننا نبتُّ ونوقن ونقطع أن باطرة الكذاب، ومتّى الشرطي، ويوحنا المستخف، ويهوذا ويعقوب النذلين، ومارقش الفاسق، ولوقا الفاجر، وبولش اللعين ما كانوا قط من الحواريين لكن من الطائفة التي قال الله تعالى فيها: ?وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ? (سورة الصف - 14) وبالله تعالى التوفيق»(1).

قال أبو عبدالرحمن: يفهم من هذا أن مذهب أبي محمد رحمه الله تعالى على أن الحواريين رضي الله عنهم ثبتوا ولم يرتدَّ أحد منهم.. وعلى فرض أن يوحنا كان حوارياً فارتد، أو كان من الكفار بعد رفع عيسى عليه السلام وقد لقي جيله فسيكون عنده علم مأثور من عند عيسى عليه السلام إما مشافهة وإما من جيل بعد جيله؛ فتصح بعض العناصر مثل انحسار ماء الفرات ولكن مجموع الرؤيا وهي سفر كامل محال أن يصح؛ لأنه منتف بالحس، وبما وقع من التاريخ، وبالدين الصحيح, وبالفكر.. والكذب والأساطير تقوم على عناصر من الصدق؛ لأن الصدق؛ لا يخلطه كذب، والكذب يخلطه صدق يُروِّج له.

قال أبو عبدالرحمن:كوَّنتُ مكتبةً حاشدة؛ فتوقفتُ عن تزويدها حول اليهودية والصهيونية والمجمعات السرية والحكومات الخفية وتاريخ أمريكا وتقليعات العولمة ونهاية التاريخ ومخاوف ما بعد القرن العشرين الميلادي، بل بلغ بي الهوس مبلغه؛ فعزمت على طلب كتب أجنبية لأطلب ترجمة فهارسها من المختصين، ثم أطلب ترجمة ما أرى ضرورته من الفصول أو من خلال الفصول، ولكن الله سبحانه ثنى عزمي عن هذا الخبال؛ فقد عجزتُ عن استيعاب ما هو بين يدي بلغة العرب وبعضه مترجم، وعجزت عن فهرسة ما انتزعته من الصحف والدوريات؛ فكيف أغرق في المحال؟!.. ورأيت الطرح عن هرمجدون - وهي من مباحث نهاية التاريخ - وقع في الكتب بكثرة كاثرة، ولكنها لا تستحق من يتعنَّى لها ولو بالتصفُّح، ولا تستحقُّ ذكر أسمائها وأسماء مؤلفيها باستثناء ما كتبه السماك، فهو تأليف نفيس قرأته أول ما صدر، ثم ضاع مني وقت الحاجة إليه، وسأجده إن شاء الله، وقد سبق أن كتبت عنه بهذه الجريدة أول ما صدر.. وهناك كتاب لم أحصل عليه بعد وأظن أن فيه فائدة، هو (معركة هرمجدون وتأسيس مملكة الرب في التوراة والإنجيل والقرآن) تأليف (كارلو قارجيزن) بدراسة وتقديم وترجمة أحمد علي أحمد علي، وتقديم محمد عاشور.. صدر عن دار الكتاب العربي، ولكن المفيد ههنا ما صدر عن تأثير (هرمجدون) - وكنت عنيتُ بها قديماً، وأشرت إليها في نظم لي بديواني الأول - في الإنجيليين السبتيين - (2)، وقد سمى الأستاذ رضا هلال هرمجدون إلى قيام الساعة (العقيدة الميلليَّة).. أي الألفية اشتقاقاً من ألف عام يحكم فيها مسيح اليهود الدجال الذي ضلل به اليهود أهل الكتاب الآخرين بأنه عيسى بن مريم عليه السلام؛ ليحصل لهم ما حصل من اعتراف كل إنجيلي متنفِّذ بأن قيام دولة إسرائيل أمانة في عنق كل فرد من أفراد شعبه.. وليست هذه العقيدة دعوى عليهم، وليست من نسيج الخيال، بل هي الواقع العملي اليوم، وهي العَلَنُ الموثَّق على ألسنة الزعماء، وحسبي الآن هذا النص الذي أورده الأستاذ رضا وغيره.. قال: «وروى جيمس ميلز رئيس مجلس الشيوخ في كاليفورنيا في مقال نشره عام 1985م في مجلة (سان دييجو): أن ريجان أقام مأدبة عشاء على شرفه عام 1971م، في أثنائها سأله ريجان بصورة غير متوقعة عما إذا كان قد قرأ الإصحاحين 38 و39 من سفر حزقيال؟.. وقال ريجان: إن حزقيال رأى في العهد القديم المذبحة التي ستدمر عصرنا.. ثم تحدث بتركيز لاهب عن إحدى الدول العربية لتحولها إلى الشيوعية، وأصرَّ على أن في ذلك إشارة إلى أن يوم هرمجدون لم يعد بعيداً.. وقال ريجان: (إن جميع النبوءات التي يجب أن تتحقق قبل هرمجدون قد مرت.. ففي الإصحاح 38 من سفر حزقيال أن الرب سيأخذ أولاد إسرائيل من بين الوثنيين حيث سيكونون مشتتين ويعودون جميعهم مرة ثانية إلى الأرض الموعودة.. لقد تحقق ذلك أخيراً بعد ألفي سنة، ولأول مرة يبدو كل شيىء في مكانه بانتظار هرمجدون والمجيئ الثاني للمسيح.. إن حزقيال يقول: إن النار والحجارة المشتعلة سوف تمطر على أعداء شعب الرب.. إن ذلك يجب أن يعنى أنهم سوف يُدَمَّرون بواسطة السلاح النووي.. ويخبرنا حزقيال أن يأجوج ومأجوج الأمة التي ستقود قوى الظلام الأخرى ضد إسرائيل سوف تأتي من الشمال.. إن يأجوج يجب أن تكون روسية.. ليس من الأمم القديمة شمال إسرائيل غير روسيا.. لقد أصبحت روسيا شيوعية وملحدة لتضع نفسها ضد الرب، والآن تنطبق عليها تماماً مواصفات يأجوج.. وفي عام 1976م، ناقش ريجان حاكم ولاية كاليفورنيا معركة هرمجدون في مقابلة مسجلة مع جورج أوتيس، وقال ريجان: إنه ينتظر نبوءة حرب يأجوج ومأجوج «التي تعتبر بأنها غزو روسي لإسرائيل في المستقبل القريب».. وفي حملته للرئاسة عام 1980م ذكر ريجان في مقابلة تلفزيونية أجراها معه الواعظ التلفزيوني جيم بيكر: إننا قد نكون الجيل الذي يشهد هرمجدون.. وفي العام نفسه نقل ويليام سافاير معلِّق صحيفة « نيويورك تايمز « أن ريجان قال أمام مؤتمر يهودي: إن إسرائيل هي الديمقراطية الثابتة الوحيدة التي يمكن أن نعتمد عليها كموقع لحدوث هرمجدون.. وفي مقابلة مع القس (فالويل) عام 1981م كشف فالويل عن أن الرئيس ريجان قال له: إن تدمير العالم يمكن أن يحدث قريباً.. وفي مناسبات ثلاث (1982 و1983 و1984م) خطب ريجان في اتحاد المذيعين الدينيين مؤكداً اقتناعه بقرب هرمجدون والمجيىء الثاني للمسيح وفقاً لمشيئة الرب كما ورد في نبوءات الكتاب المقدس»(3)..وأسطورة هرمجدون جاءت في العهد القديم /

رؤيا يوحنا 16/1-16، ونصها: «وسمعت صوتاً عظيماً من الهيكل قائلاً للملائكة السبعة اذهبوا وصُبُّوا جامات غضب الله على الأرض * فذهب الأول وَصَبَّ جَامَةُ على الأرض فحدث في الناس الذين عليهم سِمَةُ الوحش وفي الذين يسجدون لصورته قَرحٌ خبيثٌ أليم * وَصَبَّ الملاكُ الثاني جَامَة على البحر فصار دماً كدم الميت فماتت كل نفسٍ حية في البحر * وصَبَّ الملاكُ الثالث جامَهُ على الأنهار وعلى عيون الماء فصارت دماً * وسمعت ملاك المياه يقول عادلٌ أنت أيها الرَّبُّ الكائن والذي كان القُّدُّوس إذ قضيت هكذا * لأنهم سفكوا دماء القدِّيسين والأنبياء فأعطيتهم دماً ليشربوا إنهم مستحقُّون * وسمعت آخر يقول من المذبح نعم أيها الرَّبُّ الإله القدير حقٌّ أحكامك وعدلٌ * وصَبَّ الملاكُ الرابع جَامَهُ على الشمس فأُبيح لها أن تعذب الناس بحَرِّ النار * فَعُذِّب الناس بحرٍّ شديدٍ وجَدَّفُوا على اسم الذي له سلطانٌ على هذه الضَّربات ولم يتُوبُوا فَيُمَجِّدُوه * وَصَبَّ الملاكُ الخامس جَامَهُ على كُرْسِيِّ الوحش فأظلمت مملكته وجعلوا يَعَضُّون على ألسنتهم من الوجع * وجَدَّفُوا على اسم إله السماء من أوجاعهم وقُرُوحِهم ولم يتُوبُوا من أعمالهم * وصَبَّ الملاكُ السادس جَامَهُ على نهر الفرات العظيم فَجَفَّ ماؤه ليتهيَّأ طريق الملوك الذين من مشرق الشمس * ورأيت من فَمِ التّنِّين ومن فَمِ الوحش ومن فَمِ النَّبِيِّ الكذَّاب ثلاثة أرواح نَجِسةٍ تُشْبه الضَّفادِع * فإنَّها أرواح شياطين تصنع عجائب وتنطلق إلى ملوك المسكونة كلها لتجمعهم إلى قتال ذلك اليوم العظيم يوم الله القدير * هأنا آتي كاللِّصِّ فطُوبَى لمن يسهرُ ويحفظ ثيابه فلا يمشي عُرْيَاناً فينظروا سوءته * فجمعتهم إلى الموضع المُسمى بالعبرانيَّة هرمجدُّون»(4).

*، فهو المَعْلَمُ الفعَّال للأبجدية الإنجيلية السبتية(5).. على أن بعض رؤساء أمريكا الذين اهتموا ببلادهم لم يهتموا بالخطر الديني لانتمائهم البروتستانتي، وإنما اهتموا بالخطر الدنيوي؛ فعند إعلان الدستور الأمريكي عام 1489م ألقى الرئيس فرانكلين خطاباً طويلاً يقطر حسرة بيَّن فيه خطر اليهود على بلاده، وأنهم يخنقون الأمم التي يحلون فيها اقتصادياً - وضرب المثال بالبرتغال وإسبانيا -، وأنهم سبب تدنِّي الأخلاق، ودعا إلى طردهم بمقتضى الدستور خوفاً من أن يحكموا الولايات المتحدة خلال مئة عام يتوافدون فيها.. إلخ.. ولقد قتلوا فرانكلين، وهكذا اغتالوا الرئيس لنكولن (6)؛ وإنما حذَّر في خطبه من سيطرة أصحاب المال، وليسوا على الواقع العملي غير اليهود، وأراد كندي الإصلاح فاغتالوه أيضاً.

* مركزية في خطة الرب لنهاية التاريخ والمجيىء الثاني للمسيح.. ويعني مفهوم الإسرائيلية أن الشعب البريطاني والأنجلوساكسون هم شعب الله المختار.. وجرت محاولات الإثبات سواء بالكتاب المقدس (البحث اللاهوتي) أو بالبحث الأنثروبولوجي لتأكيد أن الأنجلوساكسون هم أسلاف القبائل الإسرائيلية الاثنتي عشرة المفقودة منذ السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد.. ويتضمن الاعتقاد أن تلك القبائل لم تسمع رسالة المسيح، وبالتالي لم ترفضه كما رفضه اليهود الذين عاصروه، ولذلك فهي مفضلة على العالمين»(7).

قال أبو عبدالرحمن: يتبنَّى اليهود - الصهيوني منهم، وغير الصهيوني - دعوى أنهم شعب الله المختار، وهذا ليس مفهوماً شرعياً لا في ديننا ولا في دينهم، وإنما المفهوم الشرعي أن الله فضلهم على العالمين.. وهذا التفضيل يجعلهم في خيارين: أن يَمْتَثِلُوا ويشكروا تفضيل الله لهم بالنعمة؛ فيكونوا أفضل الأمم، أو أن يكفروا فيكونوا أرذل الأمم.. والذي حصل كفرهم ورذيلتهم، بل تحامقت جولدا مائير في مذكراتها؛ فزعمت أن اليهود اختاروا الرب لشعبهم؛ فكانوا شعب الله المختار بهذا الاختيار.. وعلى أي حال فمفهوم الشعب المختار أُغلوطة حمقاء. بل الشعب المختار من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وبمبعوثي الله سبحانه وتعالى أنبياء ورسلاً وكلهم مبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً آخر الزمان ينسخ الأديان.. وأعظم خصائص الشعب المختار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد لعن الله اليهود لإهمالهم هذا الركن, ومدح أمةمحمد بإحيائهم هذا الركن, وربط به خيريَّتهم؛ فقال: ?كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنْ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ? (سورة آل عمران - 110-112)، والخيرية لأمة الإسلام من عرب وغير عرب.. وعندما وُجدت الصهيونية العالمية لم يكونوا سلبيين في عدم الأمر بالمعروف, بل كانوا إيجابيين في محادَّة الله؛ وكانوا ينهون عن المعروف ويأمرون بالمنكر.

قال أبو عبدالرحمن: ههنا أمور:

أولها: أن هذه الخيرية ليست للعرب بإطلاق كما يتهكم بذلك بعض العاديين، وإنما هي لأمة الإسلام (أمة الإجابة) من أي جنس كانوا.

وثانيها: أن هذه الخيرية أصبحت خصيصة للمسلمين منذ نزل دينهم من عند الله؛ لأن مؤسسات الحسبة في ديارهم بخلاف من كانت حسبته بوليس الآداب لحماية ما هو غير رباني من الموبقات بالقانون والسلطة.

وثالثها: أنه وجد في الإسلام من أَلحْدَ، ولكنه على هامش السلوك الإسلامي ونظامه، وفيهم من ضعفت نفسه فعصى، ولكنه لم يستبح ذلك، ولم يُشْرع عِصيانه بتشريع وتنظيم من دولة مسلمة؛ ولهذا لم ينش الإلحاد الجماعي, والشهوة الحمراء في بلاد المسلمين، بل حصل بتسويق من غيرهم، وفي ظل قيادات فصلت الدين عن الدولة باختراق الصهيونية.

ورابعها: أن الإغراء والتسويل للإباحية والإلحاد والدعايات على الطرقات تسويق من غير المسلمين للمسلمين في بعض بلدانهم ممن قادتُهم على فصل الدين عن الدولة، وهم بالاختراق مُهيَّأونَ للزعامة.

وخامسها: أن خيرية المسلمين مُعَلَّلة بامتثالهم وانقيادهم بما ذكر في الآية.

وسادسها: أن عقدة شعب الله المختار لدى الصهاينة لها أصل بغير مفهومهم.. وشاهد ذلك قوله تعالى: ?يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ..? (سورة البقرة - 40)، وقوله تعالى: ?يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ? (سورة البقرة - 47 و122).. وقال تعالى: ?وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَآئِيلَ بِمَا صَبَرُواْ..? (سورة الأعراف - 137)، وقال تعالى: ?وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ? (سورة يونس -93).. قال أبو عبدالرحمن: ههنا أمور أيضاً:

أولها: أن الخطاب لبني إسرائيل عرقاً، وليس لكل من تهوَّد من غير بني إسرائيل.

وثانيها: أن التفضيل غير الخيرية، فالتفضيل نعمة من الله ولا تعني بالضرورة الخيريَّة؛ فقد يكون المنعَم عليه شر الناس؛ فالكافر مُفَضَّل على الحيوان بالنطق والعقل، ولكنه أخس منه وليس خيراً منه؛ لأنه لم يحفل بنعمة الله فيما يريده الله.

وثالثها: أن خيرية المسلمين فضل من الله جعله في ذواتهم وسلوكهم من الحسبة والإيمان.. ولهم خيرية في غير هذه الآية، وهي خيرية موصِّلة إلى الجنة؛ إذ جعل أكثر سواد الجنة منهم، وعصم عَلَنهم عن الفُحش، وحماهم من نشر الفساد في الأرض، وخروج الرذيلة من قِبَلهم، وجعلهم أقصر الأمم أعماراً، وأضعفها أجساماً، وجعل حياتهم شظفاً من العيش.. ولكنه جعلهم أكثر أجوراً، وجعل ما رآه عامتهم حسناً، وعصمهم من الاجتماع على ضلالة، وعوَّضهم بليلة جعلها خيراً من ألف شهر.

ورابعها: أن التفضيل الذي فضل الله به بني إسرائيل عطاء من الله، وليس حِباء في ذواتهم، فهو كتفضيل الكافر بعقله ونطقه على الحيوان؛ فهذا التفضيل إنعام منه سبحانه، وليس خيراً في ذواتهم، بل بيَّن أنهم بهذا التفضيل أصبحوا أخسَّ خلق الله؛ لأنه حجة عليهم مادام دناءة في سلوكهم ومعتقدهم.

وكتبه لكم
أبوعبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
- عفا الله عنه -
(1) الفصل 1/288-290 / دار الكتب العلمية.

(2) قال أبو عبدالرحمن: من الكتب النفيسة في هذا غير كتاب السماك كتاب: (اليهودي ونهاية العالم / المسيحية السياسية والأصولية في أمريكا), و(الحرب الأمريكية العالمية / قيامة المحافظين الجدد واليمين الديني) كلاهما لرضا هلال.

(3) المسيح اليهودي ص 103.

(4) الكتاب المقدس 3/454-455 /م المرسلين اليسوعيين ببيروت عام 1899م.

(5) قال الأستاذ رضا هلال في الحرب الأمريكية العالمية ص 140: «وليس من عجب أن أول قنصل أمريكي في القدس - وارد كريسون - قد تحول من المسيحية إلى اليهودية، وقد بدأ تحول كريسون باهتمام انتابه فجأة إلى فلسطين، ففي عام 1844م قرر الذهاب إلى هناك؛ ليقوم ب(عمل الرب) ويساعد على إنشاء وطن قومي لليهود في أرض الميعاد، ولم يكد يصل إلى المدينة حتى بدأت رسائله ومذكراته تترى على أفراد أسرته ورؤسائه في واشنطن داعياً إلى النهوض بما تتطلبه الحاجة الماسة والعاجلة إلى جعل فلسطين وطناً قومياً لليهود حتى يلتئم شمل الأمة اليهودية وتمارس شعائرها وتزدهر، ولما لم يلق استجابة من المسئولين الأمريكيين أخذ على عاتقه القيام بحملة خاصة لإعادة اليهود إلى فلسطين، وأجرى اتصالات بعدد من المسؤولين في السلطنة العثمانية، ولما فشلت جهوده بقي في القدس واستوطن في أرض الميعاد.

* المسيحي، ولم يكن في الولايات المتحدة من يحل محله»، وصدرت ضميمة صغيرة مفيدة عن مركز فلسطين للدراسات والبحوث بعنوان (الإنجيليون/ جدلية العلاقة بين أمريكا وإسرائيل).

(7) المسيح اليهودي ونهاية العالم ص 171 لرضا هلال.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد