Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/02/2010 G Issue 13655
الثلاثاء 02 ربيع الأول 1431   العدد  13655
 
ورحلت صاحبة القلب الحنون

 

حقاً كان الحزن عميقاً، والصدمة عنيفة، والألم موجعاً، عند سماع نبأ وفاة والدتي - رحمها الله - وليس هناك أقسى، ولا أمرّ من فقد الوالدة، وهي ترحل عنك بعيداً، بعيداً، حيث لا وصية، ولا رجعة، ولا انتظار لأوبتها، وهي تغادر دنيانا في رحلة طويلة لا يعرف مداها إلاّ الله وحده.

ومن الصعب أن يصف أحدنا، لحظات الصدمة الأولى، وعمق الألم ومنبع البكاء، أما الدمعة فقد كانت أكبر من اتساع الأحداق، ولا يمكن إخفاؤها أو مداراتها مثل بقية الدموع.

فكيف بي وقد افتقدت الحضن الدافئ، والقلب الرحيم، والصدر الحنون، والنية الصافية، والفؤاد الرقيق، والوجه الجميل البشوش الذي لا يعرف الحزن إليه سبيلاً.

فالأم تظل هي الحنان، وهي الحياة، وهي الأمل، وهي كل شيء في حياة الابن، ويبقى الابن في نظر والدته - مهما ملأ الشيب ناصية رأسه - هو ذلك الطفل الكبير، وذلك الحبيب الغالي، وذلك الابن الذي كانت تحمله بطنها، ثم في صدرها، وعلى كتفها، ثم تمسك بيده وهو يهرول مع مشيتها.

لقد كانت الوالدة - رحمها الله - ذات أخلاق عالية، وابتسامة دائمة، ومشاعر صادقة، محبة للناس، كريمة، همها إطعام الطعام، كثيرة الذِّكر والصلاة، محبوبة عند الأهل والأقارب والجيران، وكانت حساسة، تحرص على عدم إزعاج الآخرين أو إيذائهم حتى ولو على حساب نفسها وراحتها، بل كانت تحرص على تفقّد جيرانها وتعهدهم بما يفيض عن حاجتها مما يعجبها من مأكل أو فاكهة أو تمر أو غير ذلك.

نعم، لقد فقدت أنا وأخوتي ركناً أصيلاً لنا في هذه الحياة، وبذهابه سافر الكثير من مشاعرنا وأحاسيسنا معها لأنها في الأصل مرتبطة بها ارتباطاً وثيقاً.

فالألم شديد، والجرح غائر، والحزن عميق، لكن نقول الحمد لله الذي جعل في عزاء المسلم لأخيه تخفيفاً ومواساة، وتسلية، وتوجعاً، وفي هذا الصدد، كانت تعازي ولاة الأمر عزاء وسلوى لنا في مصابنا الجلل، وكم حملت لنا التخفيف، والتقليل من حجم الفاجعة، وأثر الفقد العظيم ، وزادتنا صبراً وتحملاً للمصيبة، وخصوصاً تعازي صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، الذي عبّر عن مشاعره، وهو يشاطرنا هذا الحزن الكبير الذي جعله الله ابتلاء لنا في مثل هذا الظرف العصيب رغم كل مشاغله. شكراً لسمو الأمير صاحب المواقف النبيلة ولأصحاب السمو الملكي الأمراء وكذلك أصحاب الفضيلة المشايخ ورجال الأعمال والدولة، وكذلك الأصدقاء الذين وقفوا معنا وقفة صدق وهذا غير مستغرب عليهم، حيث الوفاء والرحمة في قلب كل واحد منهم.

نعم لقد رحلت الوالدة الحنون، وهي تضعنا في حدقات عينيها، وبين حناياها، ورحل معها الحنين والشوق والمحبة، وهي لا تكنّ لأحد مثقال ذرّة من السوء أو الغضب أو عدم الرضا، لأنها كانت تقول دائماً (الدنيا لا تستحق كل هذا التكالب والتناحر والشقاق)

رحلت بروحها، وتركت صورتها البهية في كل أركان البيت الذي ظل يبكيها وينوح لفراقها، وتركت عبقها في كل مكان، من أرجاء البيت، فيما ظلت تلك الصورة الرائعة في قلوبنا وصدورنا منذ أيام الطفولة، لم تفارقها حتى فارقتنا هي، طائعة لأمر الله ملبية نداءه إلى دار الآخرة.

اللهم ارحمها برحمتك الواسعة، واجعل الجنة مثواها، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة، وأكرم نزلها ووسّع مدخلها، واجعل الفردوس الأعلى دارها وقرارها يا أرحم الراحمين. اللهم لا تفتنّا بعدها ولا تحرمنا أجرها، وتولاّها برحمتك يا رب العالمين.

(إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ).

عساف حسين علي العساف



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد