Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/02/2010 G Issue 13655
الثلاثاء 02 ربيع الأول 1431   العدد  13655
 

رثاء في سفير النوايا الحسنة

 

إلى الله أشكو لا إلى الناس إنني

أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب

أخلائي لو غير الممات أصابكم

عتبت ولكن ما على الموت معتب

أعرف أن الموت حق وكلنا سنواجه ذاك القدر المحتوم.. لكن لحظة الفراق صعبة بل هي من أصعب اللحظات.. وليس هناك أصعب منها سوى أن تكتب عن رثاء صديق وفي أو أخ عزيز.. عسى أن تستجمع كل صفاته الحسنة خصوصاً عندما تعود بالذاكرة عبر الزمن لعقود مضت.. حيث كنا أطفالاً في دارين متجاورتين في رفحاء تلك القرية القابعة في أطراف الشمال في وقت لم يكن بها سوى عدد قليل من الدور الطينية بجوار محطة التابلاين النفطية.. في تلك البيئة الريفية التي تفتقر للخدمات عدا مدرسة لا يتجاوز عدد تلاميذها العشرين. غيب القدر أكثرهم.. هناك عاش وترعرع المرحوم فواز في كنف والده الشيخ مشعل التمياط الرجل الذي ملأ السمع والبصر بحكمته ومكارم أخلاقه.. حيث ورث عنه الابن البار الشيء الكثير.

تلك الخصال والصفات المكتسبة ساهمت في تكوين شخصيته وسيرته العطرة وهي السيرة التي تشدني دوماً إلى الإشادة بها وذكر محاسنها على الرغم من أنني لست بكاتب لكي أسترسل في الكتابة عن الفقيد.. ولا بشاعر لكي أسطر شعراً في رثاء المرحوم.. لكنني أخ وصديق زامله منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن بدءاً بمرحلة الطفولة ثم عبر مراحل التعليم المختلفة، وأخيراً شاء الله أن نجتمع في العمل سوياً بديوان وزارة الخارجية.

وجدت فيه يرحمه الله الأخ الحبيب والصديق الوفي والزميل الشهم الشريف.. يتمتع بحس إنساني وبمكارم أخلاق فاضلة.. تلك الخصال ليست غريبة عليه كونه سليل أسرة كريمة تتميز بتاريخ مشرف ومجيد فقد ورث الخصال النبيلة عن والده صاحب الشخصية المشهورة في تاريخ المنطقة الشمالية من ربوع بلادنا الغالية.

كثيرة هي مناقب أبي سطام الإنسانية بحيث لا تستطيع السطور تعدادها.. ومؤرقة هي الآلام على فراقه.. وكبيرة هي المعاناة بفقده.. لكن الإيمان بقضاء الله وقدره يعزينا أولاً بالأمل بنجابة ذريته الصالحة التي تسير على نهجه -إن شاء الله تعالى-.

فواز سيبقى في روح أبنائه البررة وفي مشاعر ونفوس أشقائه التسعة الصالحين الذين وصلوا إلى مراحل متقدمة من العلم والتعليم بمساندة وتشجيع المرحوم.

فواز سيبقى في وجدان كل من يمتلك الحس الإنساني من أصدقائه وزملائه الأوفياء.

فواز باقٍ لن يموت في ضمائرنا وفي نفوسنا وفي ذاكرتنا جميعاً.

نعم رحل فواز بعد ربع قرن من الترحال ممثلاً للوطن في مهمات دبلوماسية عديدة في كل من الولايات المتحدة، تركيا، مصر وأخيراً في مالي.. حيث عاش حتى آخر ساعاته حاملاً حقيبته الدبلوماسية في عمل وطني وإنساني متواصل.

رحل فواز لكن رصيده الزاخر وذكراه الجميلة باقية لن ترحل بل ستظل منارة تحكي للأجيال عن عظمة إنسان يستحق أن يكون رمزاً يحتذى به لسيرته الوطنية المتميزة بالكرامة والتسامح والقيم الإنسانية النبيلة..

تلك السيرة تدعونا إلى مناشدة أمانة المجلس البلدي برفحاء.. بأن تعمل على تسمية أحد الشوارع باسمه.. كما سبق أن ناشدتها بأن تأخذ بعين الاعتبار كل الرموز الوطنية التي ساهمت في بناء تلك المدينة الوادعة (واذكروا محاسن موتاكم).

في آخر اتصال معه -يرحمه الله- قال: (سأعود يوم الجمعة إلى أرض الوطن.. سألقاكم قريباً).

وقد عاد فعلاً فجر الجمعة كما قال.. عاد سريعاً.

عاد عبر آلاف الأميال.

عاد نعشاً طائراً في الهواء.

عاد مرفوع الرأس كما كان.

عاد كالنسر عالياً في الفضاء.

عاد سابحاً فوق سماء ست دول.

عاد يسابق الريح راجعاً إلى مثواه الأخير.. الأخير.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

د. ممدوح محمد الشمري - المستشار لحقوق الإنسان

al-hamdulilah@live.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد