Al Jazirah NewsPaper Tuesday  16/02/2010 G Issue 13655
الثلاثاء 02 ربيع الأول 1431   العدد  13655
 
ورحلت المرأة الصابرة

 

عاشت شطراً كبيراً من حياتها ملازمة للسرير الأبيض، حيث فتكت بها الأمراض وظلت طويلاً تعاني من مرارة العيش بعيداً عن أحبابها, ظلت كذلك حتى غيّبها الموت وضمها القبر بين جنباته. إن لحظات فراق الأحبة أمر شديد الوقع على النفس هذا الشعور كابدته بعد رنّة ماسج من أخي المهذب أبي حور. الفراق له مرارة وخصوصاً إذا كان من حبيب قريب أَلِفنا مجالسته واعتدنا مسامرته كما هو الوضع هنا مع خالتي (تيلة الفاجح) تلك المرأة التي يقل مثيلها وذلك لما تحمله من صفات رحمها الله؛ فهي امرأة عاطفية قلبها مملوء بالحنان دموعها قريبة، حيث تترقرق سريعاً عند أدنى موجب. يتفطّر قلبها ألماً عندما تسمع عن أدنى مأساة, وكم من مرة بكت بحرقة لمشهد استجاش مشاعرها. كانت بارة بزوجها الشيخ (صالح التويجري) وكانت حتى في أسوأ أوضاعها الصحية تسأل عنه وتتلمس احتياجاته رغم شراسة الألم الذي تكتوي بلظاه، بل إنها حتى قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة وأمام سكرات الموت ترفع عينيها البريئتين إلى زوجها قائلة وبصوت مجهش بالبكاء: (حلّلني, حلّلني) تطلب مسامحته وكأنها تشعر بأن هذه هي النظرة الأخيرة وأنها الجلسة الختامية لها مع زوجها؛ لقد بدت وكأنها تعرف أنها تعيش لحظات الوداع المر الذي لا لقاء بعده في عالم الدنيا. قبل موتها أصرت على الاغتسال رغم برودة الأجواء ولم تكن تعلم أن هذا هو الاغتسال الأخير في حياتها, لم تكن تعلم أنه اغتسال الموت, لم تكن تعلم أنها على موعد مع القبر ولم تكن تدرك أن الثياب التي ارتدتها لن تنزعها بيدها، بل سَتُنزع عنها في مغسلة الموتى, هذا وقد كانت بحمد الله أثناء تغسيلها تتلألأ ابتسامتها وقد ازدان وجهها البهي بهالة من النور. كانت في حياتها عندما تلقى بجسدها المنهك على الفراش يغيب وعيها فإذا استيقظت أول ما تسأل عن الصلاة وهل حان وقتها أم لا؟ كنت لما أجلس إليها أحملق بوجهها وتطوف عيناي في مقلتيها فأرى وجهاً يتألق وهجاً وحناناً يتدفق وسريرة تنبض بالنقاء والصفاء، فالحسد والحقد لا يعرفان طريقاً إلى قلبها الطاهر. إنها مثال للأم الحنون وللزوجة البارة وللمريضة الصابرة التي مضت إلى جوار ربها ولن نراها بعد اليوم بعد ما صففنا عليها اللبن وأهلنا عليها التراب وغادرنا المقبرة تاركينها في ظلمة القبر وحدها بين يدي غفور رحيم هو ألطف بها منا. إن أكبر خدمة يقدمها أبناؤها لها بعد الدعاء هو توثيق التواصل بينهم وتعميق اللحمة وتفعيل الوشيجة على نحو يقاوم معاول الزمن ويتأبى على التمزّق. وفي الختام أرفع أحر التعازي إلى والدتي حبيبة القلب (منيرة الفاجح) وإخوتها وأخواتها ووالدتها، وإلى زوج الفقيدة وبناتها وأبنائها الكرام عبد الله وخالد وأحمد وفهد ومحمد ووائل وكافة أفراد الأسرة ونسأل الله أن يلهمهم الصبر وأن يغفر لها ويرحمها, آمين اللّهم صل وسلم على نبينا محمد.

عبد الله بن محمد السعوي


Abdalla_2015@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد