Al Jazirah NewsPaper Sunday  21/02/2010 G Issue 13660
الأحد 07 ربيع الأول 1431   العدد  13660
 
شيطان ( بزركَ ) ..؟!!
حمّاد بن حامد السالمي

 

يبلغ عدد الناطقين باللغة الفارسية، بين هندوكوش والأناضول وآسيا الوسطى والخليج العربي؛ من (150 إلى 200 مليون إنسان)، منهم أكثر من (70 مليوناً) في إيران وحدها، وهؤلاء جميعاً، يلتقون مع جيرانهم العرب..

.. في قراءتهم وحفظهم للقرآن الكريم باللغة العربية، ثم إنهم يكتبون لغتهم بالأبجدية العربية، بل إن (30%) من مفردات لغتهم هي عربية الأصل، وخصوصاً العلمية منها، يقابل ذلك (850 لفظة) فارسية في اللغة العربية، ومع هذا كله، فإن الشعب الإيراني من بين شعوب إسلامية كثيرة، يظل أبعد الكل عن جيرانه العرب، الذي يقرأ القرآن بلغتهم، ويكتب لغته بحروفهم، ولم تهتم الحكومات المتعاقبة على إيران منذ عهد الشاه حتى عهد أحمدي نجاد، بتعليم اللغة العربية في مدارسها إلى جانب لغتها الإيرانية، مثل اهتمامها مثلاً بتعليم اللغة الإنجليزية، مع أنها تدعي دائماً الحرص على التقارب مع أهل الجوار في العراق والخليج العربي، وهذه واحدة من الملاحظات التي أذكر أني سجلتها، ثم طرحتها في لقاءات جمعتنا بوزراء ومسؤولين إيرانيين في طهران بداية عام 2006م، إلا أن ما لفت نظري أكثر من غيره، خلال هذه الزيارة التي تمت بناءً على دعوة من الحكومة الإيرانية لأكثر من ثلاثين إعلامياً سعودياً، هو ما لمسته في الشارع الإيراني تحديداً، حيث بدا لي أن المجتمع الإيراني هو مجتمع ليبرالي بامتياز، يظهر ذلك في سلوكه واختلاطه وحياته وانضباطه، وهو أمر يتناقض كلياً مع الخطاب السياسي اليومي، الصادر من طهران طيلة ثلاثة عقود، حيث لا يمكن أن يفهم من هو خارج إيران من خلاله، إلا أن إيران دولة دينية بحتة، شغلها الشاغل الإسلام ودين الإسلام ورعاية مصالح المسلمين، فزيارة واحدة لإيران أحمدي نجاد، تكفي للحكم على إيران الدولة والمجتمع، فالدولة تبني سياستها الخارجية على خطاب ديني مستفز وحشري إن صح التعبير، بينما المؤسسات التي تدير الدولة من الداخل، تفعل شيئاً آخر، ليس له علاقة بالدين، ولا بالشيطان الأكبر. (شيطان بزركَ).

* لم نمكث سوى يوم واحد في طهران، طرنا بعده إلى الحدود الشمالية، حيث السطوح الثلجية البيضاء في مدن: (أردبيل - استرا - أنزلي - لاهيجان)، وعند العودة جواً، لم يحتمل قائد الطائرة تأخرنا عن موعد الرحلة عشر دقائق، فقفل الباب في وجوهنا في المطار، وارتفع من أمامنا ملوحاً بيده، ونحن نتحسر على رحلة جوية كانت سوف تأخذنا إلى طهران في ظرف ساعة، وقد تكبدنا بعدها رحلة برية ليلية شاقة لمدة عشر ساعات تقريباً.

* بعد أن زرنا أصفهان، التي يسمونها نصف العالم، والتي ينسب إليها العالم اللغوي الشهير (سيبويه)، كان لنا لقاء مهم في اليوم التالي مع رئيس الجمهورية الإسلامية السيد (محمود أحمدي نجاد) في القصر الرئاسي، ومرة أخرى.. نتأخر عن الموعد المحدد، فقد وصلنا عند الساعة الثامنة والنصف، وموعدنا كان على الساعة الثامنة صباحاً، فحل عتاب الرئيس مقدمة لكل كلام جاء بعده.

* كنت أظن أن حديثنا مع الرئيس نجاد، سوف ينصب على علاقات شعبينا، ويتناول ما يجمع بين الشعبين من جوار ودين واقتصاد وسياسة ونحو ذلك، إلا أن السيد نجاد؛ أتحفنا بمحاضرة طويلة عن (شيطان بزركَ).. الشيطان الأكبر، الذي احتل العراق، ويهدد سوريا، ويدعم إسرائيل، ويتهدد الجمهورية الإسلامية من مياه الخليج ال(فارسي)، ولم تكن هناك أمامنا فرصة للاستفسار مثلاً: لماذا نحن هنا في طهران..؟

* في حقيقة الأمر - وكما ثبت مع مرور الأيام - فإن فزاعة أو خيال (شيطان بزركَ - الشيطان الأكبر) - وليس أحد آخر من إنس أو جان - هو الذي أسهم في رحيل الشاه عام 1979م، وهو الذي جاء بالإمام الخميني من منفاه في باريس إلى طهران، وهو الذي أطاح بالإمبراطورية، وأعلن قيام الجمهورية الإسلامية، وهو الذي تبنى نهج تصدير الثورة إلى دول الجوار في سنوات الثمانينيات الميلادية من القرن الماضي، وهو الذي مسخ إيران الدولة والنظام، فجعلها برأسين، رأس ديني موجه للخارج، ورأس ليبرالي زراعي صناعي موجه للداخل، وهو الذي رهن الثروة النفطية الإيرانية، لصالح الثورة خارج الجغرافية الإيرانية، فأغنى بذلك زبانيته في العراق، وفي جنوب لبنان، وفي غزة، وفي صعدة، وفي أجزاء من إفريقيا وآسيا وغيرها، وأفقر مواطنيه الذين يتوزعون على فسيفساء عرقية وقومية، تشكل قنبلة موقوتة فعلاً، إذا استمر النظام الإيراني في استنساخ الحالة الصدامية ما قبل عام 2003م.

* شيطان بزركَ.. الإيراني الذي أنتجه الخميني ورعاه نجاد، وليس الأمريكي البعيد بالطبع، مسؤول عن حالة الاستعداء الفريدة التي ينتهجها أحمدي نجاد صباح مساء ضد العالم أجمع، وضد الشعب الإيراني نفسه، من أجل إرضاء مرجعيته الدينية وحيازة السلاح النووي.

* وقف السيد أحمدي نجاد خطيباً في مسيرات إحياء الذكرى الحادية والثلاثين للثورة الخميس قبل الماضي، معلناً أن بلاده أصبحت تشكل خط الدفاع الثاني بعد روسيا في مواجهة حلف شمال الأطلسي. خطاب عدائي جديد للخارج، وغزل صريح لروسيا، وتغاض واضح عن الثورة الخضراء التي بدأت مع توليه رئاسته الثانية ولم تتوقف، وكأن سجناء المعارضة وضحاياها الذين تدلت رؤوسهم على المشانق، هم في واشنطن أو باريس، وليس في طهران، فالتخصيب نحو القنبلة النووية يستحق السحق والقتل، ما دام أن مرشد الثورة علي خامنئي، يعد أن المعارضة عدوة للثورة، وأحمدي نجاد خادم مطيع، ينفذ إرشادات المرشد الأعلى للثورة.

* كثيرة هي الدراسات التي صدرت بعد وفاة الإمام الخميني عام 1989م، محذرة من خطرين يهددان الأمن القومي الإيراني. الأول: هو التهديدات الأمريكية، وها هو سيد أحمدي نجاد يدفع إليه بقوة صاروخ (عاشوراء) الإيراني الجديد. أما الخطر الثاني: فيتمثل في الأقليات والعرقيات غير الفارسية في إيران، فالقومية الفارسية لا تمثل أكثر من (47%) من عدد سكان إيران، بينما نسبة الأتراك الأذريون والأكراد والتركمان والعرب فتبلغ (53%).

* وهناك كما أعتقد؛ خطر ثالث أكبر، يتهدد جمهورية خامنئي ونجاد، وليس الجمهورية الإسلامية التي عرفت اعتدال خاتمي في فترة سابقة، وهو القوة المتنامية للتيارات الليبرالية المعتدلة في المجتمع الإيراني بكل قومياته وعرقياته ومذاهبه، وقد ظهرت مقدمات هذا الخطر الزاحف، في المعارضة القوية التي يقودها اليوم ما يشبه التحالف بين كل من: (مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، ومحمد خاتمي، وهاشمي رفسنجاني).. وغيرهم.

* إن شيطان بزركَ الإيراني الذي ينفخ فيه الرئيس نجاد صباح مساء، لن يثبت طويلاً أمام شيطان بزركَ الأمريكي في المستقبل، خصوصاً إذا عرفنا أنه من السهل غزو إيران من داخلها، أي من خلال تركيبتها العرقية والقومية والاجتماعية، أما تخصيب اليورانيوم والسلاح النووي الأزمة، فلن يحمي إيران، ولن يوفر الأمان لشعب يتظاهر في ميادين طهران، وهو يبحث عن العدالة والسلام والحرية، ويسأل عن حصته في تمويلات السلاح النووي المدمر، من أجل حياة أفضل له ولأجياله القادمة.



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد