الدنيا طافحة بالأكدار، مطبوعة على المشاق والأهوال والعوارض والمحن، لم نأخذ منها عهداً على أن تصفو لنا دوماً، ولم يكن بيننا وبينها موثق على أن يدوم رخاؤها، وقد بين ذلك المولى عز وجل فقال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. كما بين تعالى أن الأمور تسير بقضائه وقدره وعلمه فقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
|
ومكلِّفُ الأيَّامِ ضدَّ طباعها |
متطلِّبٌ في الماءِ جَذوةَ نارِ |
ليس الزمانُ وإن حرصتَ مسالماً |
خُلُقُ الزمانِ عداوَةُ الأحرارِ |
وعلى الرغم من أن الفواجع تتراءى لنا بين إقبال وإدبار، ولكن يبقى الأمل بخالقنا وراحمنا شمساً لا تغيب ونبعاً صافياً لا ينضب، فنحن نؤمن أن كل من عليها فانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام، وكما يقول ابن الجوزي: (من أراد أن تدوم له السلامة، والعافية من غير بلاء فما عرف التكليف ولا أدرك التسليم). وما تعرض له الأخ العزيز الأستاذ حسن علي الطالعي الإعلامي في قناة العربية من المصاب الجلل ومن توالي الأحداث الجسام عليه وعلى أسرته في أيام متوالية لأمر أشعرنا جميعاً بالحزن والأسى ولكن ذلك أمر الله ولا راد لأمره. فبعد عدة أيام من وفاة والده المقدم علي بن حسن الطالعي -رحمه الله - أحد أعيان قبيلة بني ظالم بمحافظة رجال ألمع، ومن أوائل ضباط الجيش السعودي من أبناء منطقة عسير والذي كانت له أياد بيضاء وجهود كبيرة، وفضل عظيم في التحاق المئات من أبناء المنطقة بقطاعات الجيش السعودي، والسعي الدائم في خدمتهم ومساعدتهم، وتشجيعهم على خدمة دينهم ووطنهم. تأتي الأيام بفاجعة جديدة ومصاب عظيم في تعرض أسرة الأخ حسن الطالعي إلى حادث مروري مؤلم تتوفى فيه زوجته وثلاثة من أبنائه، وأربعة من أقاربه على طريق رجال ألمع محايل- هذا الطريق الذي فقدنا عليه العشرات من الأسر ومن فلذات الأكباد- ونشعر أن ما دفع لإنشائه من اعتمادات مالية لا يمكن أن تساوي الديات أو الخسائر التي تعرض لها أهالي المحافظة من مآسي هذا الطريق ولا يوجد تقريباً في محافظة رجال ألمع منزل إلا وله مع هذا الطريق حادث مؤلم، وقد أصبح لزاماً على وزارة النقل أن تسارع إلى تحويله إلى مسارين محافظة على أرواح مرتاديه وممتلكاتهم.
|
لقد تقبل الأخ حسن الطالعي وإخوانه وأسرته هذه الحوادث المؤلمة بصبر وثبات وإيمان بقضاء الله وقدره، مدركين أن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، وأن الله لا يقضي قضاء للعبد إلا كان خيراً له. فأحسنوا الظن بالله بما يليق به تعالى وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا وأنه راحمهم وفارج همهم وكاشف غمهم، فكانوا قدوة في ثباتهم وقوة صبرهم على هذه الشدائد. لم ييأسوا من روح الله ولم يقنطوا من رحمته لأنهم يؤمنون حقاً أن ما أصابهم لم يكن ليخطئهم، وما أخطأهم لم يكن ليصيبهم.
|
(وَإِنِّي لأَرْجُو اللَّهَ حَتَّى كَأَنَّنِي |
أَرَى بِجَمِيلِ الظَّنِّ مَا اللَّهُ صَانِعُ) |
(عسى الهم الذي أمسيت فيه |
يكون وراءه فرج قريبُ) |
(قد يُنعم الله بالبلوى وإن عظمت |
ويبتلي الله بالقوم بعض النعمِ) |
(ألم تر أن الليل لما تكاملت |
غياهبه جاء الصبح بنوره) |
(عسى فرج يأتي به الله أنه |
له كل يوم في خلقه أمرُ) |
(عسى الله أن يشفي المواجع إنه |
إلى خلقه قد جاد بالنفحات) |
نسأل الله تعالى أن يرحم موتاهم، وأن يسكنهم فسيح جناته، وأن يبارك في خلفهم وأن يجبر مصابهم ويكتب لهم الأجر العظيم في مصابهم الجلل، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
|
المشرف العام للتخطيط والسياسات |
بوزارة التربية والتعليم |
|