Al Jazirah NewsPaper Wednesday  03/03/2010 G Issue 13670
الاربعاء 17 ربيع الأول 1431   العدد  13670
 
ناركم حية
محمد الدبيسي

 

محافظة صغيرة وادعة، تنام على خط المدينة - القصيم القديم، ضاربة الجذور في الجغرافيا الوطنية، تضم كرام الناس من مواطني هذا الوطن العزيز، وتتنفّس النسمات الأولى من نعماء التنمية، لا مركز للرعاية الاجتماعية فيها، ولا آخر للكلى، ولا حديقة، ولا مركز رياضي ولا مستشفى كبير يستوعب نموّها وكثرة المراكز التابعة لها، بالرغم من أنها لا تعدم وجود مرافق حيوية وخدمية أخرى ينعم بها أهلها، وهي لأهل تلك المراكز حاضرة مركزية يؤمّونها لقضاء حوائجهم والاستعانة بما فيها على استمرارية الحياة.

أراد أهل هذه المحافظة والقيّمون إدارياً على أمرها، أن يكون لهم نصيب من كعكة الترفيه ومن خطاب التراث, ومن فضيلة التقاليد الأصيلة ومن رفاهية المهرجانات وصخبها الإعلامي، فأقاموا ملتقى بعنوان: «ناركم حية» كمحاولة لتوظيف رمزية الرسالة، والتعبير عن رؤية هؤلاء لكيفية إحياء الشيم العربية، وكمنجز يحسب لصالح المحافظة، ويسجل باسمها في سفر المهرجانات الوطنية التي تتداعى وتتبارى المحافظات والمناطق على الظّفر بمجدها الخالد.

عماد هذا الملتقى ومركزية نشاطه، تقوم على مسابقة في (إعداد دلّة قهوة على النار الحية) دون استخدام معطيات الحضارة الإنسانية (الطارئة) في نقاء المظهر الجوهري لدلَّة القهوة, وفاءً لشرط أن كل عودة للماضي أو أياً من مكوّناته؛ هي بالضرورة تمسك بالهوية التراثية, واستعادة للحميم والأصيل من التقاليد, ودلالة انتماء للموروث وثقافته.

ولا أدري ما هي معايير هذا السباق، ولا القدرات الاستثنائية للظّفر بمرتبته العليا. إلاّ أنّ القوم اجتمعوا ضمن ما اجتمعوا عليه على أكل كبسة بعارين، كنشاط مصاحب لهذا المحفل الناري الحي.

.. ما سبق حق مشروع يمنحه المجال المتاح للتفكير والممارسة، وتوجهُه إرادة من اختار هذا المظهر, ليكون ملتقى جماعياً يجمع الناس, ومن ثم فإنّ سؤالاً لا يطرح نفسه، وإنما أطرحه: هل راعَى الاحتفال - بمظاهره المعبّر عنها بما سبق - ظروف العصر ومتغيّراته؟ وهل جسَّ نبضاً في أوردة أولئك الكرماء، تعرَّف من خلاله على شواغلهم واحتياجاتهم, وهل قاس الأولويات والضرورات لديهم؟ هل نقش في وجدانهم بهجة حقيقية بالاحتفال كممارسة ومعنى؟. هل يعيدنا البُعد الرمزي في عنوان المناسبة «ناركم حية» إلى إرث وجداني وقيمي له ما يسنده من عناصر الواقع وتفاصيل الحياة ؟ هل ثمة اتكاء على المجال الرمزي للنار في ثقافة بعض مناطقنا وبيئاتنا الوطنية؟ .. أم أنّ شيئاً من ذلك لم يخطر على بال أولئك الكرام؟.

ومن شرك الأسئلة إلى شركها أيضاً: هل ثمة إحساس بالغياب أو التغييب وحماس لمقاومة النسيان؛ يجعل أذهان أولئك الكرماء تتجه إلى هكذا نشاط فيه من الطرافة والعفوية المتناهية ما فيه, وفيه ما ينطوي على الرغبة في أن يعلنوا عن وجودهم؟.

وهل تدنّى مستوى الوعي بالمهرجانات والملتقيات الجماعية أو ما شاع منها بلا مسؤولية من ضوابط أو أطر تنظيمية ووعي ثقافي، ليتراءى على الشكل الذي شاهدناه في «ناركم حية»؟.

ناوش بعض الكتَّاب - من أهل المنطقة ومن ضفافها - الاحتفال بشكل حاد أحياناً وموضوعي أحياناً أخرى، وجابههم المناصرون للاحتفال بمبرّرات يرونها وجيهة.

كل ذلك بعد أن خمدت نار الاحتفال، وسُجِّل كذكرى عزيزة في نفوس أصحابه, الذين أرادوا أن يحيوا نار حضورهم وأن يحتفلوا بالمتاح لهم من فرائد أفكار قابلة للتطبيق، فالكل يعرف كيف يعدُّ قهوة على نار حية، لسبب بسيط؛ وهو أنّ القهوة لا تُعَد إلاّ على نار حية .. والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد