Al Jazirah NewsPaper Wednesday  03/03/2010 G Issue 13670
الاربعاء 17 ربيع الأول 1431   العدد  13670
 
من منا يجرؤ على الكتابة عنا ؟!
د. فوزية عبدالله أبو خالد

 

من الملاحظ أنّ هناك فضولاً واضحاً من الآخرين لمعرفة الواقع بالمجتمع السعودي، وخاصة الواقع المتعلّق بموقع المرأة وبالعلاقات الاجتماعية وبمنظومة القيم التي تحكم حضورها أو غيابها في الفضائين الخاص والعام.

وعلى أنّ هناك مجموعة من الأسباب لهذا الفضول وهي أسباب مركّبة، منها الذاتي ومنها الموضوعي، ومنها المتداخل بينهما، إلاّ أنّ أهمها كما يبدو لي، هو ندرة البحث والتدوين بعيون وأيدٍ سعودية لهذا الواقع تدويناً موضوعياً يضع النقاط على الحروف أو الجروح, في تشخيص الواقع وفي امتلاك الجرأة الوطنية والأدبية على تحديد موقع المرأة فيه، (وإنْ كنت سأعود لهذه النقطة في نهاية المقال).

ومن متابعتي، وجدت أنّ هذا الفضول الخارجي على وجه التحديد، قد أنتج بدائله في التعرّف على الواقع الموضوعي للمجتمع السعودي وواقع المرأة فيه بشكلين مختلفين. الشكل الأول عبّر عن نفسه في محاولة «التلصُّص على الواقع من خلال الخيال الروائي». والشكل الثاني تمثّل في محاولة «مقاربة الواقع بأقلام أجنبية».

توسل إرواء الفضول عبر المخيال الروائي:

وفي هذا تناولت في الآونة الأخيرة كثير من الأقلام العربية بل وغير العربية، حضور المرأة السعودية المفاجئ والغزير في المشهد الثقافي، من خلال الأعمال الروائية بتفاوت مستوياتها مضموناً وشكلاً إبداعياً. وتعدّد ذلك من تناول من بعض تلك الروايات التي رشّحت أسماء روائيات سعوديات لأول مرة لبعض جوائز عالمية كأميمة الخميس ورجاء عالم وليلى الجهني، إلى تلك الأعمال التي اكتفى متابعوها بما جادت به من تسجيل لصور كانت مستترة من واقع الحياة المحلية، ومن رصد للمستور من العلاقات والتفاعلات الاجتماعية، سواء بين الفرد والمجتمع أو بين الأفراد بعضهم البعض وعلى الأخص العلاقة بين المرأة والرجل. ومع أنّ قلّة من تلك الأقلام التي تناولت منتج المرأة الروائي أو ما يسرب لمحة من عالم النساء وإن كتبه رجل، حفلت بالتوقف عند المستوى الإبداعي لتلك الروايات، مع ما في بعضها من إبداع مدهش وما في بعضها الآخر من تعثُّر، فإنّ من الواضح أنّ الاهتمام كان منصباً على فعل الكشف عن واقع المجتمع السعودي الذي كان تاريخياً في منأى عن التدوين, مغيباً عن التصوير والتصوُّر إلاّ بشكل ضبابي وغامض. وقد دفع ذلك الفضول بعض أصحاب تلك الأقلام وبعض القرّاء على حدٍ سواء، إلى تحميل تلك الأعمال الروائية أكثر مما تحتمل، في النظر إليها وكأنها تعبير «موضوعي عن الواقع»، متناسين بديهية بسيطة، وهي أنّ الأعمال الأدبية هي أعمال لابد أن يمتزج فيها الواقع بالخيال، وهي وإن عبّرت عن الواقع، فإنها لا تعبّر عن الواقع في موضوعيته، بل تعبّر عنه من وجهة نظر ذاتية تتمثّل في عين الكاتبة أو الكاتب وخيال كلٍ منهما وزوايا البصر التي يُطل منها على هذا الواقع لإعادة اختراعه.

الشكل الثاني إشباع الفضول المعرفي بأقلام أجنبية:

ويتمثل ذلك في محاولة بعض الأقلام الأجنبية من قِبل صحفيين أجانب أحياناً أو كتّاب محترفين وعدد أقل من الباحثين الموضوعيين لمقاربة الواقع الاجتماعي السعودي، وخاصة واقع المرأة فيه، عن طريق الكتابة عنه. على أنّ الكثير من تلك المحاولات، وليس بطبيعة الحال كلّها، لم يخل بعضها من تأثيرات المخيال الاستشراقي في التصوير الغربي الاستيهامي لواقع الأغيار ولموقع المرأة فيه خاصة العالم العربي والإسلامي، وخاصة في أوضاع كالوضع السعودي الذي يبدو للعين الخارجية مسربلاً بالأسئلة التي ليس إلاّ لدى القلّة الاستعداد للإجابة الصريحة عليها. وهذا ما يجعل بعض ما تكتبه تلك الأقلام عن واقعنا أو واقع المرأة بمجتمعنا، صورة مشابهة للموقف الاستشراقي القديم الذي حلّله نقدياّ إدوارد سعيد وفاطمة المرنيسي وليلى أحمد، وسواهم من المنتمين لمدرسة الموقف النقدي من الاستشراق الغربي في نظرته للعالم العربي والإسلامي وللمرأة تحديداً، سواء ما عبّر عنه في أعمال روائية أو تشكيلية أو أي شكل آخر من أشكال التعبير بما لم يكن منصفاً أو في أحسن أحوال حسن الظن لم يكن يحمل رأياً موضوعياً دقيقاً عن الواقع.

أيننا في الكتابة الموضوعية فكرياً وبحثياً عن مجتمعنا؟!

فعلام غبنا طويلاً عن التعبير وقراءة وتحليل واقعنا؟! هل كان يرجع ذلك لعدم وجود فضول معرفي من قِبل المجتمع السعودي نفسه، ومن قِبل منتجي المعرفة فيه لتشخيص الواقع موضوعياً، أو كان الأمر يرجع لنقص في الحريات التي تتطلّبها عملية البحث والتحليل والتدوين الموضوعي للواقع وعوامل أخرى معقّدة.

هذا السؤال لا يثار دون أن يهل علينا كماء سماء حبيس سؤال الحرية وسؤال الفكر والبحث وشروطهما للإنتاج المعرفي في المجتمعات المنتجة والمستهلكة معاً.

غير أنني لا أريد أن أغادر الصفحة، إلاّ بعد أن أترك نوافذ مشرعة على شمس الأمل. فهناك بضعة كتب وإنْ كانت تُعَد على يد أصابع اليد الواحدة، تعتبر استثناء في تعبيرها عن الواقع بشجاعة اجترحتها بعض أقلامنا، ومنها كتاب حياة في إدارة الذي سبق وتناولته وكتاب د. لطيفة العبداللطيف الذي سأتناوله الأسبوع القادم. ومنها أيضا كتاب عزيزة النعيم عن الفقر بمدينة الرياض وكتاب مترك الفالح عن المجتمع المدني وباقة صغيرة من كتب أخرى بعضها صدرت من سنوات قريبة وبعضها صدر حديثاً، مما سأرجع إليه بمناسبة معرض الكتاب لمشاغبة فضولنا المحلي للقراءة بمناسبة موعد معرض الكتاب، هذا إنْ كانت ستكون موجودة في المعرض وهذا ما أرجوه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد