Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/03/2010 G Issue 13673
السبت 20 ربيع الأول 1431   العدد  13673
 
ري.. ولا ماء
د. إبراهيم بن عبد الرحمن التركي

 

كان تعبير الـ « free seating» جديداً علينا؛ حين كنا نشارك في المؤتمرات والندوات العالمية، فهم لا يعرفون مصطلح (محجوز) الذي ألفناه حتى بات فاتحة التنظيم الذي تنطلق منه أوليات ترتيب جلوس المدعوين، وبات فئام فينا لا يفكرون بغير الصف الأول حتى لو جاءوا متأخرين، وكثيراً ما حصل إحراج للجان الندوة أو المؤتمر لأن «سعادته أو معاليه» لا يرى له مكاناً غير الصف الأول، وتلجأ بعض المؤسسات إلى تجليس موظفيها «ومن تمون عليهم» كي تستبدل بهم غيرهم من ذوي «البشوت» ومن في حكمهم الذين لا يليق بمقامهم الجلوس خلف الصف الأول.

تبدو عقدة «المظهرية» ذات جذور في تركيبتنا المجتمعية، حتى بين ذوي الياقات «الزرقاء»، وحدثت وتحدث مشكلات بسبب هذه الشكلانية غير المنتمية إلى مدرسة أو منهج، وفي معهد الإدارة سعينا مرة - ضمن مناسبات لجنة النشاط الاجتماعي - إلى أن نضع ترتيب الجلوس في الحفل الختامي وفق القرعة؛ فكانت تجربة لذيذة جعلت قياديي المعهد وصغاره في موقف متساوٍ؛ فاقتعد في الصدارة وفي المؤخرة - على حد سواء - خليط من الكبار والصغار، وتقدم المراسل على المدير العام، وتجاور النائب مع السكرتير، وكان مشهداً «غرائبياً» في مثل بيئتنا، لكننا - حتى مغادرة صاحبكم المعهد - لم نعد إليه مرة أخرى، وفي فهمكم كفاية.

الحديث هنا لا يمس الاحتفالات الرسمية ذات الجوانب الأمنية والمراسمية بل يتصل بأمسية يفترض فيها أن يُطبق العرف الدولي «من يأتي أولاً يخدم أولاً first come first served»، وهو المفتقد المحلي؛ لإيمان بعضنا أن الكرسي جزء منه يعلو معه ويهبط، وكلما تقدم إلى الأمام أحس بالرضا والانتشاء.

في زمن مضى كان الذهاب للسوق التجاري يُوجب ارتداء البشت، ويُقال إن المرحوم منصور القاضي في عنيزة أول من تجرأ وكسر هذا التقليد، وربما يكون غيره في هذه المدينة وسواه في سواها؛ فليت أحداً يتصدى لكسر هذا التقليد في الوسط الثقافي، «وتحديداً الشق الرسمي منه وليس محاضرات الأندية وأمسياتها الدورية» لنسعد بالكراسي تدور دون ارتباط بالأسماء والأضواء، وليتنا نكتب على بطاقات الدعوات الثقافية أن الحفل غير رسمي واللباس عادي والجلوس مفتوح لنؤصل للغة جديدة ترفض تقويم الشخص على أساس ترتيب صفه.

كنا في ندوة رسمية خارج الرياض (نظمها معهد الإدارة) وكان لصاحبكم دور فيها؛ فاعتمر البشت وقت الاحتفال ثم خلعه فور انتهائه؛ فكان من يبتدرونه بالتحية، وهو مرتسم، كثراً تضاءلوا بعدما عاد إلى قواعده الشعبية.

من مثل هذه الرؤية يتنابز صغارنا بمنابت أصولهم وأماكن سياحتهم وأنواع سياراتهم وأرقام جوالاتهم وموديلات ملابسهم، ومن يقترب من عوالمهم يدرك أي هاجس تمثله لهم هذه القشور؛ فلا فرق إذن بين من وسيطه بشت وكرسي عمن اهتمامه مطعم ومركب.

التربة تربية.



Ibrturkia@gmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد