Al Jazirah NewsPaper Saturday  06/03/2010 G Issue 13673
السبت 20 ربيع الأول 1431   العدد  13673
 
مجتمع المعرفة لا يركض في محيط الدائرة
حسن اليمني

 

السيطرة والتحكم بالتقنية وتسخيرها لخدمة الأهداف المرسومة، هو المعيار الحقيقي الذي تصنف عليه وتقاس درجة تقدم وتطور دولة من الدول، وليس امتلاكها أو شراؤها أو حتى معرفة كيفية

استخدامها، فهذه في متناول كل قادر على الدفع والشراء، وما بين السيطرة والتحكم وبين التملك والاستخدام، تصبح المعرفة أهم وأقوى أدوات السيادة.

والمعرفة هي نتاج محاولات الإنسان المتكررة لفهم الظواهر والأشياء من حوله، وهي متيسرة لكل عقل يفكر, ولا يشترط لها شهادات تخصص أو دراسات علمية، إذ إن العلم لاحق للمعرفة وليس سابق لها، فالعلم منهج يسعى إلى مجموعة مترابطة من الحقائق الثابتة بقوانين وتصنيفات محددة، أما المعرفة فهي التي تدلك على أهمية العلم والتعلم، ولكن يبقى الشرط الأساسي للحصول على معرفة منتجه هو في توفر عقل يفكر، والعقل المفكر هو في اعتقادي أهم ما يجب على دول العالم الثالث والنامي التركيز عليه ورعايته.

لقد أصبحت المعرفة اليوم بمثابة سلعة لا تضاهيها أي سلعة أخرى، واتجهت كثير من دول العالم الثالث والنامي إلى رسم الإستراتيجيات والخطط لبناء مجتمعات المعرفة باعتبارها ركيزة اقتصادية لا تنضب إلا بنهاية الإنسان، ومع هذا فقلما نجد خططا إستراتيجية لتحرير العقول وتهيئة المناخ الآمن والمناسب لها، لتوجه تفكيرها نحو المعرفة المنتجة والقادرة على الابتكار والإبداع وحتى الاختراع وهذا يتطلب مناخاً اجتماعياً تكون فيه مراكز البحوث وأكاديميات التعليم بمثابة المصانع التي تساعد وتوجه العقول وتطور الأفكار وتوفر الإمكانات وتحفظ الحقوق.

لابد إذن من تهيئة المناخات المناسبة والآمنة للعقول، لممارسة الفكر والتفكير في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، ودفعها نحو التوسع والانتشار لبناء مجتمعات المعرفة، ولن يكون ذلك ممكناً إلا من خلال تطور وتمدن السلوكيات الفردية، وهذا يتطلب أولاً وابتداء، تهذيب وتمدين قواعد النظم وإجراءات المعاملات العامة والخاصة، لتتماشى وتتناسب ومنطقية العصر وأدواته في كافة المجالات، ليتسنى زرع المنطقية في السلوك الفردي من خلال الإيحاء، لكي نحصل في النهاية على سلوك جماعي متمدن.

إن السلوك الجماعي المتمدن هو في اعتقادي الأرضية الصحيحة لصناعة مجتمعات المعرفة، وأقول السلوك لأنه الترجمة الحقيقية للوعي والفهم السليم والذي لا يمكن أن تراه بالعين إلا من خلال السلوك، وعندما نبدأ بالنظم والإجراءات، فلأن الحكومات هي العناوين الحقيقية لشعوبها وهي المتحكمة والمسيطرة على توجيه وعيه وتهذيب أخلاقياته وتشكيل سلوكياته بأنظمتها وإجراءات معاملاتها.

وأخيراً فإن تاريخنا العربي والإسلامي حافل بالعقول المفكرة، والتي اتهمت في راهنها بأوصاف مبتدعة وأقصيت في الغالب من الحظوة، مثال ابن سيناء وابن رشد وحتى ابن خلدون لم يسلم، وما كان ذلك إلا نتيجة تلوث المناخ المعرفي، ومع هذا بقوا أحياء بفكرهم على الأقل لدى أصحاب العقول، وغاب أولئك الراكضون داخل محيط الدائرة.





Hassan-alyemni@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد