Al Jazirah NewsPaper Sunday  07/03/2010 G Issue 13674
الأحد 21 ربيع الأول 1431   العدد  13674
 
المنشود
محاكم الجِمال والخِراف!!
رقية سليمان الهويريني

 

يبدو أن الخير مقبل على بلادنا، والعدل سيعم ديارنا، ولا سيما أننا بتنا نسمع أن المحاكم الشرعية ستكون حضناً دافئاً، وملاذاً آمناً لكل الحيارى والمظلومين والتعساء!

أقول ذلك بعد أن قرأت خبراً غريباً مفاده أن إحدى المحاكم في المنطقة الشمالية شرعت بالنظر حالياً في قضية نادرة، بعدما تقدم لها مواطن (مقيم في الصحراء) بشكوى ضد جاره في المرعى بدعوى أن جمله تسبب في أضرار بالغة بخروفه أثناء رعيهما معاً في أحد المواقع.

جاء هذا الخبر في صحيفة (الاقتصادية) التي ذكرت أن مركز شرطة لينة (قرية ومورد مياه في الحدود الشمالية السعودية) تلقى بلاغاً من مواطن يفيد فيه بأن جمل جاره هشّم صدر خروفه بضربة موجعة جعلته غير قادر على الحركة، وطالب المشتكي بتعويض مالي من الجار، واستدعت الشرطة الجار من خلال إيفاد دورية أمنية لإحضاره من الصحراء إلى المركز حيث نفى علمه بالواقعة، وهو ما استدعى إحالة القضية إلى المحكمة الشرعية في القرية ذاتها التي شرعت بالنظر فيها.

وما لفت انتباهي من هذه القصة الطريفة فِعل (شَرَعَتْ) وهو بالمناسبة فعل ماض ناقص من أخوات (كان) مبني على الفتح، والتاء للتأنيث، والمحكمة اسم شرعت ولا داعي للخبر لأنه ربما لن يكون هناك خبر، حيث سيتحول فعل الشروع إلى فعل لازم يكتفي بالاسم ولا يحتاج إلى خبر حين يكون الخبر هو نتائج القضية أو حلها أو إعادة الحقوق لأصحابها! وبدخوله إلى محاكمنا سيتخلى عن كونه أحد أفعال الشروع التي يكون خبرها دائماً جملة فعلية فعلها مضارع في محل نصب، حيث تبدو الصعوبة في نفوذ هذه الأنواع من الأفعال، لذا تفضل أن تقبع في كتب النحو ولا تحبذ الخروج منها بحجة المثل المعروف (من خرج من داره قل مقداره!!).

لا عليكم من الأفعال الناقصة والتامة والأفعال اللازمة والمتعدية، ولكن عليكم بالأقوال الرنانة حيث هي المعروفة لدينا ومألوفة لدى المحاكم وكتّاب العدل، فهم يعدون كثيراً دون تنفيذ. ويجتمعون دون حاجة إلى إحضار الخصم إن لم تحضره أنت بنفسك! وأرجو ألا نستعجل قبل ظهور نتائج قضية الخروف المسكين! فإن حصل على حقه فربما تعود ثقتنا في محاكمنا الشرعية. مع علمنا الأكيد أن الخروف لن يأخذ حقه من الجمل على الرغم من الذكورية فكيف لو كان شاة؟ وإن كان هناك أحد سيستفيد وآخر سيتضرر فهما صاحبا الخروف والجمل، وسيعود الخروف مع الجمل لمكان الرعي معاً، بل قد يستدرج صاحب الخروف الجملَ ويستفزه لإيذاء خروفه ليأخذ حقه منه مرة أخرى بحكم أن المحكمة حكمت على صاحب الجمل بدفع الأضرار المادية لصاحبه دون الأضرار الأدبية التي لحقت بالخروف من جراء ما ناله من ضرب، عدا عن السخرية من حجمه وضآلته التي قادت الجمل للتهجم عليه مع فارق الحجم، ولم يكتفِ الجمل بالضرر النفسي الذي يلحق فئة الخرفان سنوياً بالزكاة فيها! حيث يستخرج عن كل خمسة بعارين خروفاً واحداً، وجل الله في حكمته بذلك.

ودعكم من وقفة النفس بين هذين الحيوانين اللطيفين اللذين كانا سيستأنفان مرعاهما من الغد لولا تدخل الكبار والرغبة بالشحططة في المحاكم! ولنصرف اهتمامنا إلى التطور الهائل الذي وصلت إليه محاكمنا من استقبال جميع شكاوى الناس والشروع في حلها. فها هي قاعات المحاكم ستشهد للمرة الأولى قضايا حيوانات بعد أن قضت (عدة سنوات) في قضايا كفاءة النسب، و(عدة عقود) في قضايا النفقة التي لم تبت بها رحمة بالرجل من النفقة على أولاده، وقضت (عدة قرون) في قضايا السيدات المعلقات إكراماً وثأراً للرجل من رفض المرأة له.

www.rogaia.net


rogaia143@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد