Al Jazirah NewsPaper Sunday  07/03/2010 G Issue 13674
الأحد 21 ربيع الأول 1431   العدد  13674
 
شيء من
دبي والمحافظة على الإنجاز
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

تعامل أجهزة الأمن في دبي مع قضية اغتيال المبحوح كان عالي الحرفية، وبالذات في شقها الإعلامي. فقد صرَفَ الأنظار عن مشاكل دبي المالية التي كانت محور حديث الناس، إلى الحديث عن إنجاز دبي الأمني، الذي بهَرَ الأنظار، واعتبروه يُضاهي إنجازات دبي الاقتصادية والمعمارية؛ وقدرة هذا البلد الصغير والمحكم في انضباطه وتنظيمه على مقارعة أكبر وأعتى أجهزة المخابرات في العالم (الموساد).

في تقديري أن كشف جريمة اغتيال المبحوح هو أول انتصار حقيقي يُسجله العرب على إسرائيل فعلياً ودع عنك المزايدون. كان الإعلامي المصري محمد حسنين هيكل يُقسم العرب - كما كان يقول - إلى عرب المركز وعرب الأطراف، وكانت دول الخليج حسب هذا التقسيم تعتبر من دول الأطراف. غير أن إحدى هذه الدول (دبي) لقنت إسرائيل درساً عجز عرب المركز عن أن يفعلوه طوال تاريخهم، فقد استباح الموساد أراضيهم عقوداً من الزمن، وكانت العمليات الاستخباراتية بعد نجاحها المبهر بالنسبة للإسرائيليين، تسجل ضد مجهول، ويَظل حماة العرين (العروبيين) يسجلون عجزهم، أو (نكساتهم) أمام تفوق الإسرائيليين. دبي أثبتت بالفعل أنها (غير)؛ وأن تلك العقليات التي تجعجع أكثر مما تعمل، وتفبرك الشعارات الفارغة من كل شيء إلا التخلف، نجّا الله دبي منها، ومن شعاراتها وصراعاتها، وهذه نقطة في غاية الجوهرية، وربما أنها السبب الرئيس لتفوق دبي وتخلف (عرب المركز)؛ وها هي دبي تحلق منفردة في سماء الحضارة والتحضّر، وظلّ عرب (المركز)، أو عرب الايديولوجيات والشعارات والجعجعة، في مكانهم يبحثون عن الحل، ولا حل - في تقديري - إلا اقتفاء أثر دبي لو كانوا يعلمون.

غير أنّ من الذكاء أن تعرف دبي بعد أن ربحت المعركة مع الموساد أين تقف، فلا تصعّد أكثر كي لا تدخل في نفق مظلم ومتعرج المسالك ليست مضطرة للدخول إليه، خصوصاً مع جهاز بقذارة الموساد. دبي تريد أن تثبت أنها لا يمكن أن تكون بيروت الستينيات، وأنّ انفتاح دبي وسهولة الدخول إليها لا يعني أنها أرض مستباحة، أو حارة (كل من إيدو إلو) مثلما هي عواصم كثير من عرب المركز كما يسجل تاريخهم المخجل، وقد أثبتت بالفعل ذلك في مرات كثيرة، ولكن عملية اغتيال المبحوح وما اكتنفها من تعقيدات ومن تخطيط محكم كان يجب أن يستعصي على أمن دبي، ونجاح الدبويين في تفكيك العملية، وتوجيه أصابع الاتهام للموساد مع الأدلة، قطعت الشك باليقين.

بعد عملية المبحوح صار لدبي الآن من (الهيبة) لدى أجهزة المخابرات العالمية، وكذلك عصابات الإجرام الدولي، ما سيجعلهم يفكرون ألف مرة قبل أن يُقدموا على عملية مماثلة، فسيكون أي خيار غير دبي هو الخيار الأفضل والأكثر أماناً، وهذا غاية ما يطمح له الدبويون، ويجب ألا يكون طموحهم أكثر من ذلك، فليس لهم مصلحة في تجاوز هذه الطموحات.

أدرك الكثيرون أن دبي ليست فقط أوعية استثمارية، أو سواحل سياحية، وإنما منظومة مترابطة ومتماسكة من الخدمات يأتي الأمن في قمة أولوياتها، وفشل جهاز كالموساد في اختراق أنظمة دبي الأمنية دليل ليس بعده دليل.

إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد