Al Jazirah NewsPaper Wednesday  10/03/2010 G Issue 13677
الاربعاء 24 ربيع الأول 1431   العدد  13677
 
حتى لا تنفجر القنبلة السكانية في وجوهنا
د. عبدالله بن ثاني

 

منذ نحو أربعين عاماً من اليوم أطلق العالِم البيولوجي بجامعة استانفورد الأمريكية، العالِم بول أهرلش، تحذيره للعالم من خطورة الانفجار السكاني الذي سوف يشهده العالم منذ القرن الماضي،

وكان ذلك في عام 1968م، وأطلق تحذيره هذا عبر كتابه الشهير (القنبلة السكانية). ولقد وجد رأي العالِم تهكما وسخرية من الكثير من المفكرين آنذاك..

في ظل كثرة الأعباء على الدول والحكومات بسبب زيادة عدد السكان وقلة الموارد والميزانيات يجب أن يُعاد النظر في كثير من القضايا الاجتهادية ومعالجتها بعقلانية بعيدا عن العاطفة، وكان الإنسان في القرون الماضية رافدا مهما من روافد التنمية بحُكْم بساطة الأشياء، ولكن الظروف الواقعية في هذا العصر المعقد أثبتت أن الإنسان غير الفاعل عبء ثقيل ومعوق من معوقات التقدم والتنمية، ولا يكون رافدا لهما إلا في مجتمعات استثنائية، وتحتاج المجتمعات النامية إلى زمان طويل لتصل إلى ذلك. وحسب رأي الخبراء فإن الانفجار السكاني بمعدلاته الكارثية من أهم معوقات التنمية فيها؛ ولذلك لا بد من بث الوعي في نفوس المواطنين؛ لأن كثرة الأولاد في هذا العصر تفوّت عليهم سُبُل العيش الرغيد والاستمتاع في ظل الأسرة برعاية الوالدين ورعاية كل ما يتعلق بتعليمهم وصحتهم وترفيههم.. وهناك مَنْ يقف عاطفيا عند حديث «فإني مكاثر بكم الأمم» ويتجاهل حقيقة «ولكنكم غثاء كغثاء السيل».. ليؤكد الإسلام أن الاهتمام بكيفية المواطنين وليس زيادة كميتهم. ولقد ذم القرآن أن يلهو الإنسان بالتكاثر، فقال الحسن البصري‏:‏ «‏?‏ألهاكم التكاثر‏?‏ في الأموال والأولاد»، ونسي بعضهم أن القتل خشية الفقر لا يتعارض مع تنظيم النسل؛ لأن المنهي عنه وأد الأطفال الأحياء وقتلهم خشية الفقر، أما التحكم في تنظيم النسل فهو قبل الولادة. والقتل دون سبب شرعي حرام؛ لأن الإسلام حافظ على الضرورات الخمس، ومنها الحياة.. وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: وقد استشهد مَنْ قال باستحباب الإنجاب بأحاديث باطلة ضعيفة لا يكاد يصح منها شيء، منها: حديثٌ عن ابن عمر عن الديلمي في مُسنَدِ الفِردَوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حجوا تستغنوا، وسافروا تصحوا، وتناكحوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم»، وفي إسناده محمد بن الحرث عن محمد بن عبدالرحمن البيلماني وهما ضعيفان. وأخرج البيهقي عن أبي أمامة: «تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم. ولا تكونوا كرهبانية النصارى»، وفي إسناده محمد بن ثابت وهو ضعيف، وقد أشار البيهقي نفسه إلى ضعف الحديث. وأخرج الدارقطني في المؤتلف وابن قانع في الصحابة عن حرملة بن النعمان: «امرأة ولودٌ أحَبّ إلى الله من امرأة حسناء لا تلد. إني مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة»، وهو ضعيف. وأخرج ابن ماجة عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «النكاح من سنتي، فمن لم يعمل بسنتي فليس مني. وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ومن كان ذا طول فلينكح، ومن لم يجد فعليه بالصوم، فإن الصوم له وجاء»، وفي إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف. وأخرج الحاكم عن عياض بن غنم: «لا تزوجوا عاقراً ولا عجوزاً؛ فإني مكاثر بكم الأمم»، وقد ضعفه ابن حجر. وأخرج ابن مِرْدَوَيْه في تفسيره من حديث ابن عمر: «تَنَاكَحُوا تَكْثُروا فَإنِّي أُبَاهِي بكُمُ الأُمَمَ يومَ القيامة»، وضعفه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (2-22). وأخرج الطبراني عن سعد بن أبي وقاص: «إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة». وأخرج أحمد وأبو داود عن ابن عباس مرفوعاً: «لا صرورة في الإسلام»، وفي إسناده عمر بن عطاء وهو ضعيف كما أفاد المنذري. وأخرج أحمد عن عبدالله بن عمرو مرفوعاً: «انكحوا العالمين الأولاد، فإني أباهي بكم يوم القيامة»، وفيه جرير بن عبدالله المعافري وهو ضعيف. وأخرج أحمد والطبراني في الأوسط عن حفص بن عمر (هو ابن عبدالله بن أبي طلحة، جيد الحديث) عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: «تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة»، وفي إسناده خلف بن خليفة وهو ثقة لكن قد خرف واختلط، وقد أشار لذلك أحمد (3-245) في ذكره لهذا الحديث. وقد استدل البعض بكراهية تكثير النسل بقوله تعالى: ?وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ. فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَة أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ. ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا? (النساء:3). قال بعض العلماء معناها: تزوجوا واحدة ذلك أدنى ألا تكثر عيالكم. قاله زيد بن أسلم وجابر بن زيد وسفيان بن عيينة والشافعي. وهذا التفسير جائزٌ عند علماء اللغة. وهناك نصوص تؤكد أن تنظيم النسل وعدم فتح الباب على مصراعيه وليس قطعه أمر محمود ومنها:

1- أن الصحابة كانوا ينظمون النسل، وكانوا يعزلون وقد ثبت في الصحيحين (واللفظ لمسلم) عن جابر رضي الله عنه قال: «كُنّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّه صلى الله عليه وسلم وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ فَبَلَغَه ذَلِكَ فَلَمْ يَنْهَنَا».

2- ذكر الخطابي في كتاب العزلة عدداً من النصوص، أخبرنا أبو سليمان قال: أخبرنا ابن الأعرابي، قال: حدثنا عباس بن عبدالله الترقفي قال: حدثنا رواد بن الجراح، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خياركم في المائتين كل خفيف الحاذ» قالوا: يا رسول الله، وما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له ولا ولد. وأخبرنا أبو سليمان قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن مالك قال: حدثنا بشر قال: حدثنا الحميدي قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا مطرح أبو المهلب، عن عبيد الله بن زحر، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أغبط أوليائي عندي منزلة رجل مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة وكان غامضا فعجلت له منيته وقل تراثه وقلَّت بواكيه».. أخبرنا أبو سليمان قال: أخبرنا ابن الأعرابي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا هناد بن السري، عن أبي الأحوص، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: كان بين عمار بن ياسر ورجل كلام في المسجد فقال عمار: «أسأل الله تعالى إن كنت كاذباً ألا يميتك حتى يكثر مالك وولدك ويوطئ عقبك».. أخبرنا أبو سليمان قال: أخبرني إسماعيل بن محمد قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب قال: حدثنا عمي قال: حدثني ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، أن داود النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من جار السوء ومن مال يكون علي عذابا ومن ولد يكون علي وبالا ومن زوجة تشيبني قبل المشيب ومن خليل ماكر عينه ترعاني وقلبه يشنأني إن رأى خيراً أخفاه وإن رأى شراً أفشاه).. وما أجمل تعليق الشيخ عائض القرني حول الفهم الخاطئ لحديث «إني مكاثر بكم الأمم» فقال: «والرسول صلى الله عليه وسلم إنما يكاثر بنا الأمم إذا كنا مؤمنين صادقين أقوياء متعلمين، أما إذا كنا جهلة متخلفين كسالى محبطين فنحن لا نستحق أن يكاثر بنا الأمم، لأننا كالأصفار التي لا قيمة لها، ماذا نفع المسلمين الآن عددهم الذي يقارب مليار مسلم ونصف؟ أين مكانهم في العالم؟ أين صوتهم؟ أين صناعاتهم؟ أين إبداعهم؟ أين اختراعاتهم؟ وأين اكتشافاتهم؟ شيء قليل لا يكاد يذكر، لقد تحقق فينا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ولكنكم غثاء كغثاء السيل»، وعجبي لا ينتهي ممن هو مستمر في الإنجاب والتوالد والتناسل والتناسخ والتبييض، والتفريخ، ثم إذا ملأ بيته بالأطفال تركهم بلا تعليم ولا توجيه، ولا تربية، ولا رعاية، فخرجوا فارغين عاطلين عن العمل بلا علم، ولا أدب ولا وظيفة». والله من وراء القصد.



abnthani@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد