Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/03/2010 G Issue 13684
الاربعاء 01 ربيع الثاني 1431   العدد  13684
 
قضية تكافؤ النسب.. هل مجتمعنا عصي على التغيير؟
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

تعجز اليوم كثير من المجتمعات عن تحقيق معدلات تغيير إيجابية هادفة للإصلاح لسببين أحدهما يتمحور حول ضعف قدرات الفهم والإدراك والتدبر لدى أفراده، والآخر حول إصرار أفراد ذلك المجتمع على التمسك بعاداته وتقاليده مع وعيهم بعدم صلاحيتها بل وضرورة تغيرها، والأنكى والأمر من ذلك أن بعض أولئك الأفراد ينتهز فرصة خروجه عن إطار مجتمعه جغرافياً ليغرد باستمرار بضرورة تغيير عادات مجتمعه البالية التي لم تعد صالحة للزمان والمكان.

المجتمعات اليوم وفي ظل التطور الحادث في الأنظمة الاقتصادية والأيديولوجية والاجتماعية نتيجة تسارع وتيرة التغيير الحياتي وتمازج الثقافات والحضارات وتتابع الأزمات على مختلف أنواعها وما يتبع ذلك عادةً من فوضى عارمة ومتنوعة وشاملة، أضحت أكثر حاجة لتحقيق التغيير المنشود وأصبحت متطلبات المجتمع الإصلاحية والاجتماعية والاقتصادية واقعاً لا يمكن تجاهله أو نسيانه.

لست بصدد الحديث عن قضية تكافؤ النسب الأخيرة التي مهدت نتائجها لتاريخ مجتمعي حديث وجديد ومفصلي وإلى نظرة إيجابية تحررية لقيود طال مكوثها في مجتمعنا، تلك القضية التي تم تناولها وإشباعها بحثاً وتعقيباً وتحليلاً، لكنني أود الانطلاق منها لوصف كيف يمكن للضغوط الاجتماعية على الفرد أن تحول بينه وبين إحداث تغيير أو إصلاح لصالحه شخصياً وأسرته أو لصالح مجتمع بأكمله.

الرغبة في الإصلاح والتغيير الاجتماعي أصبحت جزءاً من واقعنا المعاش، يرغبه - وإن لم يكن ذلك معلناً - ويطالب به معظم أفراد المجتمع لاعتبارات وأسباب كثيرة وقد يأتي العامل الاقتصادي للطبقات الأقل ثقافة على رأسها بينما يكون ذلك العامل لدى الطبقات الأكثر ثقافة هو الشعور بالحاجة للتغيير لمواكبة كثير من المجتمعات التي فاق تطورها كل المقاييس وأصبحت الفوضى الاجتماعية لديهم من الماضي. وعادة ما ينشأ صراع داخلي لدى الفرد المطالب للتغيير والساعي لإحداثه، بدءاً من توقع آثار ونتائج التغيير المنشود، السلبية منها والإيجابية ومروراً باصطدام المطالبة تلك والسعي لها مع حواجز الأعراف المجتمعية السائدة وما يتخللها من جدل وربما إيذاء ومصادرة للمطالبات وانتهاء إما بتحقيق الهدف والظفر بغنيمة التغيير أو الفشل وتحمل ما يتبعه من مشاعر الهزيمة وثقل العقوبات، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة تشهد على التجربتين.

قلت في مقالات سابقة إن أي مجتمع ينقسم بالمطلق لأقسام ثلاثة، قسم يؤيد إحداث تغيير ما وقسم يعارض وثالث لا يهمه إبداء رأي إما خشية تفوق فريق على آخر يكون هو مع الفريق الخاسر إن أعلن ميله له، أو بسبب خوفه من مجتمعه إن هو أظهر ميله نحو فريق ما برغم رغبته في ذلك. وتتوزع نسب الأقسام الثلاثة بحسب ثقافة المجتمع وانفتاحه واستعداده لقبول التغيير، إلا أن في مجتمعنا ولاعتبارات عدة تتمركز الغالبية في القسم الثالث ويأتي القسم المعارض بالمطلق لأي تغيير في المركز الثاني من حيث نسبة منتسبيه ويبقى الفريق المطالب للتغيير كأقلية صغرى. وفي نظري أن الفريق الذي يشكل الغالبية العظمى وأفراده هم من الذين لم يؤيدوا ولم يعارضوا، هم أخطر فريق بين الثلاثة كون رأيهم يظل في الظلام وغير معلن وإن كان يتأرجح بين المستويين ويختلف اقترابهم تأييداً أو رفضاً لأحد الأقطاب استناداً على الاختلاف في مكوناتهم الذاتية السيكولوجية والاجتماعية. وهم بذلك يتنصلون من مسؤولية التأييد أو المعارضة ويباركون للفريق الفائز حال انتهاء رحاء المعركة وظهور النتائج. ولذلك وتأسيساً على ما سبق نجد أن الحراك الاجتماعي ينشط دفعاً وجذباً بين قطبين رئيسين يمثلان الثقل الاجتماعي الذي يحمل أيديولوجية واضحة وخطاباً صريحاً مع أو ضد.

حتى في محيط القطب الواحد نجد خللاً واضحاً في التركيبة النسقية وتباعداً ملحوظاً في خلايا النسيج الفكري، فترى شططاً في الرؤى وتطرفاً بالرسالة؛ فالفريق الباحث عن التغيير يتطرف في مطالبته تلك ليظن المراقب المحايد أن لديه مشروعاً تغريبياً لمجتمع محافظ، والفريق الرافض للتغيير يُمعن في ضرورة إبقاء المجتمع متقوقعاً مغلقاً ومنغلقاً لا يصح تغييره وإصلاحه ولا انفتاحه مطلقاً.

لذلك كان الوسط والاعتدال في المطالبة وحتى في الرفض مطلباً ملحاً لا يصح ولا يستقيم حراك اجتماعي متوقع دونه. ولنا في قضية منصور وفاطمة عبرة ونموذجاً لتغيير منشود ومطلوب، العبرة في فكر وتصرف والد فاطمة رحمه الله. خذوا وقتكم في تحليل موقفه بعد الدعاء له بالرحمة.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد