Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/03/2010 G Issue 13684
الاربعاء 01 ربيع الثاني 1431   العدد  13684
 
أنت
فلسفة التاريخ
م. عبد المحسن بن عبد الله الماضي

 

أثرت في مقالة سابقة سؤالاً أعيد اليوم طرحه: هل يستطيع المؤرخ أن يتحرر تماماً من قيود الدولة والمجتمع ومن ميوله وأفكاره الشخصية كإنسان؟.

السؤال قد يبدو بسيطاً ولكنه يجر خلفه سيلاً من الأسئلة.. منها: متى يبدأ التاريخ؟.. منذ بدء الخليقة.. أم منذ دخول الإنسان في علاقات اجتماعية مع الآخر تدفعها المصلحة والحاجات المشتركة كما يقول ابن خلدون؟

والسؤال النمطي في مدارس تدوين التاريخ: أيهما أهم التسجيل المجرد للأحداث أم التدوين المبني على التفكير والتحليل؟.. فكلاهما له مخاطره.. فالتدوين السردي دون التدخل بالتفكير والتدقيق قد يدخل الأوهام والأحداث الخيالية على أحداث التاريخ.. والتدوين التحليلي يجعل المؤرخ أسيراً لأفكاره ومعتقداته الشخصية.. (فالمسألة في تغليب أحدهما على الآخر «التاريخ الناقل» أم «التاريخ العاقل).. وقد انتقد ابن خلدون (النقل) في «مقدمته» قائلاً: «وأنهم لم يعرضوا ما ينقلونه على أصوله ولا يقيسونه بأشباهه ولا يسيرونه بمعيار الحكمة من خلال الوقوف على طبائع الكائنات».

وقد أضاف ابن خلدون عدداً آخر من علامات الاستفهام عن السلوكيات التي تفسد عمل المؤرخ.. وحدد التشيع للرأي والمذهب كموانع تعجزه عن اكتشاف الحقيقة.. وتدفعه لتعميم التحليل الواحد على كل الأزمنة والأمكنة والأمم.. ومن ثم يثور السؤال: هل وقعت كل الشعوب ضحية لهذا النوع من فساد التاريخ؟.. وكيف يمكن إصلاح هذا الفساد؟

لقد أبدع المسلمون في التاريخ نظراً لارتباط السيرة والحديث والتفسير بالعقيدة ومصادر التشريع الرئيسية.. فابتكروا «علم الرجال» أو ما يسمى «علم الجرح والتعديل».. ويُعنى بالنظر في شخصية الراوي وسلوكه وعقيدته وسوابقه.. ولكنهم قصروا تطبيق هذا العلم على رواة الأحاديث النبوية.. ولم يطبقوه على المؤرخين.

عَرفت حضارات العراق ومصر القديمة أول تدوين إنساني للتاريخ على جدران المعابد.. ولكن الإغريق كانوا أول من وضع أصول علم التاريخ وأعطوه الاسم المعروف اليوم (historia).. أما الملفت للنظر حقاً فهو قول المؤرخ ابن بشر في مقدمة كتابه (تاريخ نجد): «واعلم أن أهل نجد وعلماءهم القديمين والحديثين لم يكن لهم عناية بتاريخ أوطانهم ولا من بناها، ولا ما حدث فيها وسار إليها وسار منها إلا نوادر كتبها بعض علمائهم.. ولن نعرف الحقيقة والسبب فيما وقع فيها من الغريب العجيب.. فكل ذلك في تاريخهم معدوم».فهل من إجابة؟!.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد