Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/03/2010 G Issue 13684
الاربعاء 01 ربيع الثاني 1431   العدد  13684
 
لما هو آت
ثقافة العوض.. وعلى الذبابة أن تفعل..!!
د. خيرية إبراهيم السقاف

 

أخطأ طبيب في أمريكا معي حين كنت أدرس بدواء كاد أن يودي بحياتي، الأمر الذي جعل إدارة المستشفى الجامعي تعقد اجتماعاً طارئاً، ومن ثم بعد شرح الملابسات تامة لي، طلبت اللجنة مني أن أحدد مبلغ العوض لهذا الخطأ، وعندهم فإن سقف عوض الروح أعلى ما يكون، وحضر الملحق الثقافي والتعليمي حينها لمدينتنا بل للمستشفى، عضداً لطالبة مسجاة بين موت وحياة، ورضيت فقط بشرح مفصل عن الدواء ومركباته، كي أتقيه مستقبلاً، غير أنهم أكدوا لي بأنه خطأ طبي لا غير.., كانت عبارتي لهم: «إنه مقدر، وإن الله تعالى شاء وما شاء فعل»،.. كان من الصعوبة أن يستوعب أطباء وإداريون جادون في تطبيق قوانينهم مبلغ الإعتقاد في مثل هذه القيم الروحية.. لكن أحدهم قال: «لاحظت هذا التوجه في كثير من الدارسين المرضى من المسلمين», والتفت لزوجي يسأله: «كيف تؤسسون هذه القناعة فيكم؟».. بينما تبسم ملحقنا الإنسان عبدالعزيز المنقور حينذاك، وبقيت أعاني أثر خطأ الطبيب لسنوات، حتى شاء الله تعالى أن يُذهبه..

وعرفت عن قصص مماثلة لعشرات, بل مئات، يكون العوض لهم هو ما عند الله تعالى، وهو مطمح، بل إنَّ كل مقدَّر هو نافذة فرح، بما سيكون هناك، محفوظاً عند من لا تضيع عنده الذرة، ولا أكبر منها, ولا أدنى.

الشاهد في هذا, أن هذه الثقافة القيمية، كانت من أوليات، بل أبجديات ما تحرص عليه ثلة من المنشِّئين في البيت، والمدرسة, بل بين الجيران، وفي الشارع، وعند المطارق وسنداناتها في مواجهات الفرد مع مقدرات، ومواقف الحياة، ذلك لأن القواعد الشرعية التي يقضى بموجبها وجوب الغرم، والضمان واضحة لمن يجب عليه أن يتعلم، ويفرضها المشرِّع، بل هي ضمن أنظمة, وقنوات تمر بها، وتوجبها، ومع ذلك، فللإنسان أن يتخذ موقفه منها، ومن عفى فله الأجر، إلا من كان عند أحقيتها معسراً لا يستطيع إزالة الضرر عنه، إلا بقبول الغرامة كما يحدث عند الحوادث، الموجبة لتكلفة الإصلاح... وفيما أقره منها الشارع..

لقد حرضني لهذا الموضوع ما قرأته أمس عن المرأة التي طالبت أحد الفنادق بجدة، تعويضها مبلغ، خمسة ملايين ريال, نظير عضة بعوضة لحقت بها, في أثناء نزولها في الفندق، غير أن المحكمة, كما أشار الخبر، قد رفضت الدعوى، وقضت بمحاسبة المحامي الذي رفع قضية العوض عن الذبابة، التي يتصدر الفندق تحمل أضرارها، كونها تسربت لإحدى حجراته، ونزلت ضيفة مشاكسة لتلك المرأة.

موقف المحكمة، وجدته ضابطاً لما تسرب إلى مجتمعنا من ثقافات أخذت تنخر في أصلاب مكينة, لا ينبغي تمرير هذه الواقعة مروراً عابراً على المسؤولين عن التنشئة، والقنوات الثقافية، والمربين، بل المفكرين.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد