Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/03/2010 G Issue 13684
الاربعاء 01 ربيع الثاني 1431   العدد  13684
 

لو تفتح عمل الشيطان
خالد عبدالعزيز الحمادا

 

عندما نتدبر كتابنا العظيم نجد آيات صريحة في التحذير من الشيطان ومكائده ووساوسه وعدم اتباع خطواته وأنه العدو المبين، وكذلك في الحديث الشريف تحذير وتوعية للمسلم من مداخله ونزغاته.. والشيطان عالم غيبي لا تدركه عقولنا الضعيفة البسيطة وينبغي أن لا نتحدث عن هذا العدو إلا من خلال ما ذكرته وقيدته النصوص الشرعية فلا اجتهاد وغيبيات يقصر عنها ولا يحدها ولا يستطيعها إدراكنا، ولم نطالب بهذا فنحن مطالبون بما جاءت به النصوص الشرعية واجتهادات العلماء وأفكارهم وأفهامهم التي مرجعها ومنطلقها نصوص الكتاب والسنة، وليس كل مجتهد يؤخذ بقوله ونلزم بقوله وإنما من تنطبق عليه شروط الاجتهاد ووافق الإجماع أو شكل رأيه أكثرية من الراسخين - وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم - الذي قد يصرفني عن ما أردت الحديث عنه.. فأقول: إن بعض علمائنا مقصرون في توعية الناس عن مداخل الشيطان وكيفية عمله مع هذا المخلوق الضعيف الإنسان، والمجتهد منهم قد يحيل أو يعيد اجتهادات العلماء السابقين مثل ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- وغيرهما، وهذا طيب لكن الناس اليوم تغيروا والزمن تغير والفتن كثرت وتسلط الشيطان زاد بسبب بُعد الناس وجهلهم بدينهم وكذلك جهلهم بطريقة عمل الشيطان مع أنفسهم، فهم اليوم بحاجة إلى حضور وتفاعل وتبيين من العلماء زيادة على ما جاء به السالفون حتى يقطعوا الطريق على المتعالمين والعابثين وبعض الرقاة الجهلة وبعض الأطباء النفسيين الذين يشوشون على الناس ويزيدون من أزمتهم. فبعض الرقاة يشخص مشكلة من زاره بأنه مصاب بالعين أو مسحور أو فيه مس أو موسوس. أما بعض الأطباء النفسيين فيشخصون الحالة بمرض نفسي ويحتاج المريض إلى علاج، وهذا التشخيص الخاطئ يربك صاحب المشكلة ويزيد من اضطرابه وقد يمرضه حقيقة. ونظراً لهذا الارتباط أصبحنا نسمع عبارات خطيرة تؤسس للمرض في العقل الباطن وتفتح عمل الشيطان مثل كلمة (موسوس) (نفسية) أي مريض نفسي.. ونعين الشيطان على أخينا المسلم. ولذلك لما تلفظ بعض الصحابة على من ارتكب حداً بقولهم (أخزاك الله)، قال المربي الأول صلى الله عليه وسلم (لا تقولوا هذا لا تعينوا الشيطان على أخيكم). والشيطان وسوس للأنبياء آدم وأيوب عليهما السلام ووسوسته هي ابتلاء وامتحان لكل مؤمن فليست عيباً أو مرضاً، ومن استجاب لهذه الوسوسة علينا أن نتعاطف معه وأن نعيده إلى الطريق الصواب ونساعده على دحر هذا العدو ونبين له الطرق والأساليب التي تقطع وتمنع عنه وساوس الشيطان ونزغاته.

أما أصحاب المشكلة فعليهم أن لا يتركوا أبوابهم مشرعة ونوافذهم مفتوحة تعصف بها وساوس الشيطان واستفزازاته ونزغاته وأن يجاهدوا أنفسهم في إغلاق الأبواب وتسكير الثغرات وترميم ما تصدع من البناء، فالعدو كيده ضعيف (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، فهو ينهزم ولا يصمد أمام أضعف المواجهات، وتسلطه على الإنسان تسلط هزيل، فهو ضعيف لا يقوى على فتح الأبواب المغلقة ولا يحل وكاء السقاء ولا يفتش الآنية المغطاة.. عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كان جُنح الليل أو أمسيتم فكُفُوا صبيانكم، فإن الشيطان ينتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل فخلوهم، واغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوْكوا قِرَبَكم واذكروا اسم الله، وخمِّروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعْرضوا عليها شيئاً، واطفئوا مصابيحكم) رواه البخاري.

وفي لفظ لمسلم (غطوا الإناء، وأوكوا السقاء، واغلقوا الباب، واطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يَحُلُّ سِقَاءً، ولا يفتح باباً، ولا يكشف إناء).

من خلال هاتين الروايتين يتبين أن الشيطان يعمل في الظلام ويتسلل في الخفاء، وأمرنا عليه الصلاة والسلام بفعل الأسباب الشرعية لقطع الطريق عليه وحجزه ومنع تأثيره، فأمرنا بكف الصبيان وغلق الأبواب ووكاية السقاء وتخمير الآنية وإطفاء المصابيح، وبعد فراغنا من فعل الأسباب المادية المحسوسة وبما أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله ولا قدرة لنا لدفع الشيطان إلا بالله أمرنا عليه الصلاة والسلام بذكر اسم الله مع كل عمل من الأسباب السابقة، وهذا يفيدنا أن التحصن من الشيطان بفعل الأسباب المادية والشرعية من الذكر وقراءة الأوراد الصباحية والمسائية.

وما يخدم موضوعنا الآن قوله عليه الصلاة والسلام: (فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً)، فعندما تتفقد مداخل ومنافذ بيتك وتغلقها يندحر ويفشل ويعود خائباً. ولعلنا نوسع مفهومنا للنص فننتقل من باب المنزل إلى سائر المداخل والأبواب إلى بناء نفسك فعليك أن تتفقد ثغراتها وتغلق مداخلها وتوصد أبوابها وتجعل وساوسه ونزغاته تتحطم أمام بنائك المصمد، وعليك أن تحذر وتتوقد وتنتبه لأن هذا العدو لا ييأس فهو يجيد الكر والفر ويحوم حول هذا البناء فإن وجد ثغرة نفث فيها وولج من خلالها، وكذلك عليك أن لا تفتح عمل الشيطان على نفسك بالأفكار المتشائمة السلبية وبالخوف والتردد وبالإحجام وعدم التوكل والإقدام وبالتحسر على ما فات ب(لو)، وكذلك ترك المعاصي من غيبة ونميمة وإساءة ظن وسخرية وحسد وغيرها من الذنوب المشينة التي حذرنا الشارع الحكيم منها. فعليك أن تحرس بناءك وتكون مؤمناً متوكلاً على الله قوياً وأن تحرص على ما ينفعك وأن تستعين بالله ولا تعجز، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وأن إصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) رواه مسلم.

هذا حديث عظيم وينبغي أن لا يضيق فهمنا حول سياقه فلا نحصر القوة حول الإيمان فقط ولا نحصر عمل الشيطان على (لو) فلا شك أن قوة الإيمان هي الأصل لكن هناك قوة الجسم والعضلات وهناك قوة توازن الشخصية والرأي والثقة بالنفس وكما قال سيد الشعراء المتنبي:

الرأي قبل شجاعة الشجعان

هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة

بلغت من العلياء كل مكان

ولربما طعن الفتى أقرانه

بالرأي قبل تطاعُن الأقران

لولا العقول لكان أدنى ضيغم

أدنى إلى شرف من الإنسان

فكم كبير الجسم مفتول العضلات خارت قواه أمام أدنى موقف.. وكم من صغير الجسم.. هزيله ثبت في المواقف والملمات.

وكذلك (لو) فإذا فاتك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل، لماذا؟ لأن لو تفتح عمل الشيطان، أي تفتح ثغرة على نفسك هي بداية لعمل الشيطان من الوساوس والنزغات، وعمل الشيطان لا يتوقف عند ثغرة (لو) بل يستعر مع كل ثغرة تفتحها على نفسك، وعليك أن تغلق هذه الثغرات وأن لا تستجيب لهذه الوساوس وأن تعزم وتطردها ولذلك أمرنا عليه الصلاة والسلام في حديث الوسوسة في العقيدة أن نستعيذ بالله وأن ننتهي ولا نستمر مع وساوسه، (يأتي الشيطان أحدكم فيقول من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول من خلق ربك؟ فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته) رواه البخاري ومسلم.

وكيده ضعيف فليس له سلطان إلا على الذين يتولونه (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ). وقال تعالى: )وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ..( فهو لا يستفز إلا من وجد أبوابه ونوافذه مفتوحة وبناءه متصدعاً غير مصمد.

alhamada1427@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد