Al Jazirah NewsPaper Wednesday  17/03/2010 G Issue 13684
الاربعاء 01 ربيع الثاني 1431   العدد  13684
 
ما سبب ظهور قراصنة البحر؟!
فهد بن سليمان التويجري

 

الجدب والقحط وقلة المطر، وغور المياه، والأمراض والأوبئة، والغبار والأتربة وما يصيب المزارع والحقول، ونزع البركة في المطاعم والمساكن والمراكب والهواتف والهواء الذي نستنشقه، كل ذلك فساد البر {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم: 41). يقول ابن القيم: (ومن آثار الذنوب والمعاصي أنها تُحدث في الأرض أنواعاً من الفساد في المياه والهواء والزروع، والثمار والمساكن).

هذا فساد البر، فما فساد البحر؟

إن فساد البحر بما يكون على الشواطئ، ويلقى في البحار من مخلفات أو يسكب من زيوت، أو يلقى من نفايات، وقد جد نوع من فساد البحر في وقتنا هذا، تجلى في أوضح صوره اليوم ألا وهو غصب السفن (القرصنة).

يقول ابن عباس وغيره: إن الفساد في البحار هو غصب السفن (وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) (الكهف: 79). لله الشكوى وإليه المشتكى من أحوالنا اليوم، ظهر الفساد في البر والبحر بما فعلناه من آثام وجرائم، وموبقات وكبائر، وذنوب على إثرها ذنوب، وموبقات تعقبها موبقات، وجرائم تتلوها جرائم، لله نشكو قسوة قلوبنا، ويشتد الخطب، وتعظم المصيبة، ويتفاقم الأمر عندما يعلن ويجاهر بالذنوب والآثام، ويدعى إلى الكبائر والموبقات. إن مما يندى له الجبين، ويحزن القلب ويقلق النفس ما وصلت إليه أحوالنا من إعراض وإقبال، إعراض عن الآخرة، وإقبال على الدنيا، إقبال على الشهوات المحرمة، من قول الباطل، وفحش الحديث، وهتكٍ الأعراض، ونظرٍ إلى صورٍ تخدش الحياء، بل والله ثم والله إنها تقتل الحياء وتبيده، دعوة صريحة إلى الزنا والفواحش جهاراً نهاراً عبر بعض القنوات والمواقع الإلكترونية ترغيباً في الدعارة والفاحشة، ووأداً للعفة والحياء، هو والله حال بعض القنوات اليوم، أفليس بعض هذا كان سبباً في ظهور الفساد في البر والبحر؟.

وها هو الربا قد اشتد عوده، واكتمل نموه، وانتشر غباره، ودق باب كل مسلم، ربا صريح واضح في البنوك، أسهم مشبوهة يتعامل بها بعض المسلمين اليوم، وها هو الغش في البيع والشراء، كذب وتدليس، ومكر وخداع يمارس بشكل واسع من قبل بعض الشركات والمؤسسات، والتجار والباعة، غش مزارع ترش بالسموم، وتُجلب ثمارها إلى الأسواق بمكر وخديعة، يباع بعد رشه بدقائق أو ساعات، غش في المطعومات، و الملبوسات، وحتى الكماليات، ولا تسأل عن البائع أصالح ظاهره أم طالح!! فالغش احتواهم جميعاً! ظلم للعمال والضعفاء والمساكين! لا يأخذون أجورهم إلا بعد عناء ومشقة! وقل ذلك في الخادمات والمربيات، وهلم جرا...

أليس من أسباب ظهور الغبار والتراب الذي لم يعد يفرق بين صيف وشتاء، أو ربيع وخريف، أليس سببه ضياع الأمانة عند كثير من المسلمين اليوم (وإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة)، فالنظام يكون على الضعفاء دون الأقوياء، فالضعيف طبقوا بحقه النظام (إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإذا سرق فيهم الشريف تركوه) الحديث. أين نحن من قول أبي بكر (إن القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له)؟

أليست الغيبة والنميمة والاتهامات وتصفية الحسابات عند من يتصفون بصفات الأخيار قبل الفجار؟.. ظهر الفساد في البر والبحر بسبب الأحقاد والحسد والسعي بين الناس بالنميمة، يُظهر أمراً ويُخفي آخر، يظهر الخير ويبطن الشر والسوء(.. يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ..) (النساء: 108) (يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ)(التوبة: 62).

إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها، قلوبهم قلوب الذئاب، وألسنتهم ألسنة الأبرار، كيف نرجو بركة فيما نأكُل أو نشرب أو نسكن، لا بركة اليوم في المآكل والمشارب والمساكن، حتى الهواء تغير وغير، حتى الوقت ذهبت بركته، حتى الأولاد والجيران، حتى المال، ولولا رحمة ربي لكنا من الهالكين، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ..) (فاطر: 45)، السماء ساخطة، والأرض والهواء، وكل شيء إلا رحمة الله. متى سنرجع من الباطل إلى الحق، ومن الفساد إلى الصلاح، ومن أنواع الشر إلى أنواع الخير، ومن الفحش إلى الطهر، ومن البهتان إلى الصدق، ومن الغش إلى النصح، ومن الربا إلى الحلال، ومن الظلم إلى العدل، ومن المجاهرة إلى الستر، ومن الدعوة إلى الشر إلى الدعوة إلى الخير، ومن القطيعة إلى الصلة، ومن التدابر إلى التقابل، ومن الغموض إلى الوضوح، ومن الكذب إلى الصدق، ومن الإعراض إلى الإقبال على الله، ومن الجفاء إلى التسامح والصفاء.

قل عسى أن يكون قريباً.



fh3300@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد