Al Jazirah NewsPaper Friday  19/03/2010 G Issue 13686
الجمعة 03 ربيع الثاني 1431   العدد  13686
 
أثر الوقف في دعم مسيرة جمعيات تحفيظ القرآن الكريم
د . عبدالرحمن بن سليمان المطرودي *

 

من أعظم صور العناية بكتاب الله الكريم عند المسلمين ذلك الاهتمام الكبير بحفظه وتعلمه، والتمسك به، والالتزام بهدايته وتعليمه للأبناء؛ عملاً بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله وسنتي». ومن سنن الحياة أن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى المال، ومنذ القدم وعلى مرّ السنين لم تخلُ مدينة أو قرية من محبي الخير والصالحين من المحسنين، الذين حرصوا على إقامة حِلَق تحفيظ القرآن الكريم في المنازل والمدارس الخاصة، أو ما يسمى في بعض الأقطار العربية والإسلامية بالخلوات أو الخلاوي أو في المساجد.

وعلى الرغم من حرص الجميع على أهمية استمرار هذه الحِلَق إلا أن استمرارها من عدمه وزيادة أعداد الملتحقين بها ظلا متعلقَيْن بزيادة ونقصان الموارد المتيسرة للصرف عليها؛ فكلما ازدهرت الحياة الاقتصادية وزاد عدد المتبرعين لهذه الحلق زاد عدد الملتحقين بها، فإذا تلاشت الموارد قابلها تلاش في الأعداد، ولم تصمد من هذه الحلق إلا ما توافر لديها مصدر ثابت ومستمر للصرف عليها عن طريق (الوقف الخيري).

و(الوقف) أو الصدقة الجارية سُنّة حميدة من سنن الإسلام، دلَّ عليها عموم النصوص في القرآن الكريم، وفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام في زمنه، ومن بعده، ولقد تأكد فعل المسلمين للوقف بعد الهجرة النبوية إلى المدينة النبوية، وتنوعت الأوقاف على شؤون الحياة العامة والخاصة، ومنها: حوائط (مخيريق اليهودي) الذي حارب مع المسلمين وقُتل في موقعة أُحد، وكان قد أوصى بها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يضعها حيث يريد؛ فوقفها النبي - صلى الله عليه وسلم -. ومنها أيضاً (بئر رومة) التي اشتراها عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، وجعلها سقاية للمسلمين، وحبس أبو بكر - رضي الله عنه - رباعاً له بمكة، ووقف عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الأرض التي أصابها بخيبر، كما وقف علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بستاناً له بينبع، وكذلك كان لأمهات المؤمنين أم سلمة، وأم حبيبة وصفية رضوان الله عليهن مشاركة في إحياء سُنّة الوقف والعمل بها، حتى أن الصحابي جابر بن عبدالله الأنصاري - رضي الله عنه - نوه بكثرة وقف الصحابة رضوان الله عليهم فقال: «ما أعلم أحدا ذا مقدرة إلا حبس»، وهذا عملاً بقول المصطفى - صلى الله عليه وسلم -: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

وقد تناولت كثير من البحوث فوائد الوقف بين المؤمنين لما يحققه من التكافل بينهم وخلق جو من الصفاء، كما عد بعض الباحثين الوقف من الطرق والوسائل لاستدامة المال وانتشار الانتفاع به؛ حيث أُنشئت بأموال الوقف المؤسسات الاجتماعية، والمدارس والمعاهد المجانية المتنوعة لتعليم القرآن وعلومه، والحديث، والفقه، والطب والكيمياء والفلك، وأُقيمت المؤسسات الصحية والعلمية الراقية؛ لما لها من الموارد المالية التي تعينها على أداء رسالتها على وجه كامل، وما زالت الكثير من هذه الأوقاف التي أسهمت في البنية الأساسية للمجتمعات الإسلامية تقف شاهداً على هذه السُنَّة المباركة، ويرجع ذلك إلى أن (الوقف) بمنهجه الحالي يمثل منهجاً اقتصادياً مستقلاً انفرد الإسلام بتشريعه، والمحافظة على أصول أمواله واستثمارها والإفادة منها مع بقاء عينها.

فإذا كان هذا في المجالات العامة فكيف بالمجالات الخاصة؟ ومن أخصها حفظ كتاب الله وتعلمه، الذي يعدُّ من أهم المجالات التي تحتاج إلى الوقف الخيري؛ حيث إن (الوقف) على تحفيظ القرآن الكريم سوف يضمن - بمشيئة الله - استمرار الجمعيات الخيرية القائمة وإمدادها بما يكفيها، ويضمن للقائمين عليها التفرُّغ لأداء رسالتها. وقد انبرى لإجراء الوقف على القرآن الكريم أهل بلادنا الغالية، كل على قدر استطاعته، وكان في مقدمة من أجرى الوقوف ولاة الأمر - وفَّقهم الله وسددهم - فكانوا القدوة والأسوة الحسنة في هذا المجال، بل ودفعهم الأمر إلى إجراء المسابقات لحفظ القرآن الكريم وتحفيظه على المستويات المحلية والعالمية.

وقد حرص المجلس الأعلى للأوقاف على دعم الجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن، من خلال الدعم المباشر للجمعيات، وكذا دعم (الصندوق الوقفي للجمعيات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم)، وهذا الصندوق يحتاج إلى دعم رجال المال والأعمال والمحسنين الراغبين في العمل الخيري وتحصيل ثواب الصدقة الجارية؛ حتى تستطيع جمعيات تحفيظ القرآن الكريم الاستمرار في أداء رسالتها على الوجه المطلوب، ووكالة الوزارة لشؤون الأوقاف بتوجيه وتأكيد من معالي الوزير الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ يسعدها التعاون مع كل من أراد إجراء وقف أو يسهم فيه لتحفيظ كتاب الله، والتعاون مع أهل الخير والإحسان في إجراء الدراسات المناسبة، ولن تألو جهداً في دعم الجمعيات من غلال الأوقاف المخصصة لذلك، خاصة تلك التي تكون في المراكز والقرى، ولا يلزم إجراء الوقف على بيت أو مزرعة أو غيرهما، ولكن يمكن أن يسهم الإنسان بما يستطيع من نقود للصندوق الوقفي للقرآن الكريم، وهناك تنظيم يحصل بموجبه الواقف على شهادة تبين ما أوقفه ومقداره.

* وكيل وزارة الشوؤن الاسلامية لشؤون الأوقاف



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد