لو أن الذي استقبل هذا الحشد الكريم من الكتاب والمفكرين والمثقفين والكتاب والشعراء والإعلاميين الذين جاءوا من أصقاع الأرض للمشاركة في المهرجان الوطني للتراث والثقافة، أقول لو أن الذي استقبلهم غير خادم الحرمين الشريفين مليكنا المفدى يحفظه الله وكان أحد الرؤساء العرب مثلاً لانتهز الفرصة وأخذ يتحدث أمامهم لربما ضعف ما سيتحدثون طوال أيام المهرجان ولعلنا نذكر هنا أن أحد الزعماء الذين عرفوا بالإطالة والاطلالة على الجماهير بمناسبة وبغير مناسبة ليتحدث طويلاً لشعبه حتى الملل التام، أن وزير الثقافة لديه همس بأذنه قائلاً يا سيادة الرئيس (يا حبذا) لو تخفّف قليلاً من خطاباتك واطلالاتك على المواطنين لأن ذلك (قد) يُسبب لهم الملل انطلاقاً من قول (كل شيء إذا كثر سمج). وهنا سأله الرئيس (حسناً وماذا تقترح أن نعمل لملء ساعات البث التلفزيوني والإذاعي مثلاً. وهنا قال له الوزير بكل تهذيب (ليس هنالك أفضل من بث قراءات للقرآن الكريم وهنا قال له الرئيس: ذلك رائع شريطة أن أكون أنا الذي يقرأ القرآن (!!).

تذكرت هذه الحكاية وأنا أستمع إلى خادم الحرمين الشريفين وهو يختصر الكلام أمام المثقفين ب(أربعة مفردات) لا أكثر، إذ قال حفظه الله (أنتم عقول يُستفاد منكم) ولم يزد على ذلك مفردة واحدة مما يجعلنا هنا نخلص بالقول أنه يؤمن بالفعل أكثر من القول، ثم إنه بيّن لنا وللضيوف قيمة الوقت في زمن السرعة والاختصار ثم إنه احترم عقولهم وقدّر قيمة هذه العقول وأكد أنه لا يتعالى على هذه العقول من خلال تواضعه (بأنه يستفيد من هذه العقول) وهذا بالطبع دأب عبدالله بن عبدالعزيز في اهتمامه بالثقافة والمثقفين وإيمانه بدور الثقافة في صنع المستقبل والاستماع إلى الآخر بكل رحابة صدر و(الآخر) الذي نعنيه هو المزيج الرائع من مختلف الأفكار والرؤى والاتجاهات والنظريات التي يحملها أولئك المثقفون على اختلاف بلدانهم ودياناتهم وطوائفهم وأيديولوجياتهم وأخذوا ما يستفاد منه وما يلائمنا من خبراتهم وتجاربهم الفكرية والحياتية والعملية في الوقت الذي نحن غير ملزمين بأخذ ما لا يلزمنا من طروحاتهم المختلفة وذلك لأن الرأي الصائب في الحياة هو الاستئناس بالرأي الآخر مهما كان انطلاقاً من القول: