Al Jazirah NewsPaper Thursday  25/03/2010 G Issue 13692
الخميس 09 ربيع الثاني 1431   العدد  13692
 
بينما تتحول الصين
زهاو يون فينج *

 

عندما بدأ دنج شياو بينج عملية انفتاح الصين في أواخر سبعينيات القرن العشرين قال: «لا يهم إذا كان القط أسود أم أبيض، فما دام قادراً على اصطياد الفئران فهو قط جيد». ولقد ساعد هذا الشعار في حفز تحول الصين إلى ما أصبحت عليه اليوم: مجتمع مادي يقدر المال ويفقد اتصاله بأخلاقه التقليدية على نحو متزايد.

والواقع أن الدراما التلفزيونية التي أذيعت مؤخراً تحت عنوان «وو جيو» (مساحات مكتظة)، والتي لفتت انتباه الجمهور الصيني بشدة، تصور هذا الخواء الأخلاقي أفضل تصوير.

وبطلة هذه الدراما، جيو هايزاو، فتاة بريئة جميلة تبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً وتقيم بالقرب من شنغهاي.

في البداية تحذو جيو حذو أختها الكبرى في سعيهما إلى تحقيق حلمهما المشترك، ألا وهو الالتحاق بواحدة من أكبر جامعات الصين.

ولكن حتى بعد حصولها على الشهادة الجامعية يتبين لها أن الحياة في شنغهاي لم تكن على النحو الذي تصورته.

وذات ليلة تتساءل جيو وهي تسترجع نضالها هي وأختها من أجل شراء منزل: «لماذا يملأ الظلم العالم، ولماذا لا تُسلَّط الأضواء إلا على أجمل بقاع المدينة؟».

ثم يقول لها سونج سيمينج، وهو سكرتير العمدة الوسيم الناجح الذي يقود سيارة فارهة - ولكنه متزوج أيضاً - «لا أحد يلقي بالاً إلى تلك الزوايا القبيحة المظلمة القذرة حيث يحوم الذباب وتجول الجرذان».سونج رجل واسع الحيلة ينضح سحراً وفتنة.

وسرعان ما تفتتن جيو بسحر نجاحه وسعة حيلته.

فهو حين تنشأ المشكلات يجري اتصالاً هاتفياً سريعاً فتعود الأمور إلى استوائها.

وشيئاً فشيئاً تجد جيو نفسها مأخوذة بسحره وقدرته على إنجاز الأمور.

وقبل أن يمر وقت طويل تبدأ بخيانة فتاها وتستسلم لذراعي سونج وفِراشه.

وحين يشتعل لهيب المعارك بين شقيقتها وزوج أختها في غرفتهما المستأجرة الضيقة، يتلاشى طموحها إلى الحصول على شقة من خلال العمل الجاد وتكوين أسرة مع فتاها الذي من المفترض أن يصبح زوجها قريباً.

وتتأثر جيو بإغراءات الطرق المختصرة التي يعدها بها سونج فتستسلم لغوايته في مقابل مبلغ نقدي ضخم وشقة فاخرة.

وسرعان ما تجد نفسها حبلى.

ومن الواضح أن سونج يعرف كيف «يتصيد الفئران».

إن دراما «مساحات مكتظة» مأخوذة عن رواية تدور أحداثها حول الارتفاع الهائل الذي سجلته أسعار المساكن مؤخراً في الصين - وخاصة في شنغهاي - وتأثير حُمّى العقارات هذه على الشباب من الذكور والإناث في الصين التي اتخذت لنفسها اليوم شعار «الثراء بأي ثمن».

ومن خلال هذه الدراما التلفزيونية يستشعر المشاهدون كيف بدأ الحلم الصيني في التمحور حول المِلكية بدلاً من التعليم أو الحب، وكيف بدأ هذا التغير في تحويل المجتمع الصيني على نحو مذهل في بعض الأحيان.

لقد خلقت هذه التغيرات نوعاً جديداً من الأمل واليأس بين جيل كامل من أهل الصين الذين ما زالوا في مقتبل العمر.

ولكن إذا قرأنا ما بين السطور فلسوف ندرك أن هذا التعلق بالملكية الذي أدى إلى تبني توجه برجماتي في التعامل مع شؤون القلب والمشاعر، أدى أيضاً إلى نشوء فقاعة الممتلكات الخطيرة التي يخشى العديد من خبراء الاقتصاد الآن أن تنفجر قريباً.

ولأن هذه دراما تلفزيونية فإن سونج يموت فجأة في حادث سيارة، بعد مطاردة من قِبَل المحققين في الفساد له أثناء إسراعه إلى المستشفى للاطمئنان على حبيبته وعلى طفلهما الذي لم يولد بعد.

ويحدث هذا بعد بضعة أيام من إقدام جيو على إجهاض حملها سراً، بعد مشاجرة مثيرة مع زوجة سونج.

وعلى قدر روعة دراما «مساحات مكتظة» وما تتسم به أحداثها من تعقيد، فإنها تقدم نظرة صادقة على ما يحرك المجتمع الصيني المعاصر: الملكية، والمال، والجنس، والسيارات، والسلطة.

وربما لأنها تجسد روح العصر بدقة بالغة، فإن هذه الدراما تتمتع بشعبية كبيرة، حتى أنها في الآونة الأخيرة شدت انتباه أجهزة الرقابة الإعلامية.

وكان استخدامها الواقعي للفحش وتصويرها للفراغ الروحي الذي أمسك بتلابيب الصين سبباً في منعها من العرض على واحدة من قنوات التلفزيون في بكين.

وفي حين تعمل أجهزة الإعلام الرسمية على إغراق القنوات التلفزيونية وشاشات السينما بالدعاية لمبادئ كونفوشيوس، والأساطير القديمة، وملاحم الكونج فو، فإن «مساحات مكتظة» تجتذب قطاعاً مستعرضاً كبيراً من المجتمع المعاصر، الذي يرى فيها أفراده العديد من الجوانب المزعجة لحياتهم: الفساد الرسمي، والخليلات، بل وحتى عبيد المنازل.

وكما يقول سونج في حديث متغطرس مع جيو قبل موته: «ما دام بوسعنا حل المشكلة بالمال فهي ليست مشكلة».

لقد أحدثت هذه الدراما موجة عارمة من ردود الفعل على الإنترنت.

حتى أن العديد من المواقع والنشرات أجرت دراسات استطلاع تحمل أسئلة مثل: «إذا كنت جيو هايزاو، فهل تختارين سونج سيمينج وشقة فاخرة، أم تختارين شياو باي (الحبيب المهجور) والحب الصادق؟».

وفي أحد أضخم المواقع في الصين، اختار 46% من المستجيبين سونج، في حين اختار 22% فقط الحبيب الشاب، وهو الاختيار الذي يشير إلى أين تتجه قيم الجيل الجديد الآن.

في هذه الدراما تتلاشى القيم التقليدية المتمثلة في «الحب الصادق» ليحل محلها الحس العملي واستعداد البطلة للتحول إلى عشيقة قبل أن يمضي بها قطار العمر وتضيع كل فرصها في الحصول على شقة لائقة.

والواقع أن العديد من مستخدمي الإنترنت يزعمون أن هذا المسار العملي يوفر سنوات عديدة من العمل الشاق.

ومؤخراً اجتذب أحد مواقع ترتيب الزيجات أكثر من عشرة آلاف امرأة شابة، يبحثن جميعهن عن فرصة للزواج من مليونير مجهول.

ولم يكن هذا هو زواج اليانصيب الأول من نوعه في الصين اليوم، ومن المؤكد أنه لن يكون الأخير.

لعل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام في دراما «مساحات مكتظة» هو أن أغلب المشاهدين لا يكرهون سونج، سكرتير العمدة الواسع النفوذ.

ورغم أن سونج قد يبدو كشخص محروم من كل مقومات البطولة، فإنه في الصين المعاصرة يُعَد «صيداً طيباً».

والواقع أن المزيد والمزيد من النساء الشابات في الصين يتجهن إلى مثل هذه الاختيارات العملية: فيضعن الشقة قبل الحب والحس العملي قبل المبادئ.

* كاتب ومنتج وسائط متعددة لدى مركز العلاقات الصينية الأميركية التابع لجمعية آسيا.

خاص (الجزيرة)
www. project-syndicate. org



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد