Al Jazirah NewsPaper Thursday  25/03/2010 G Issue 13692
الخميس 09 ربيع الثاني 1431   العدد  13692
 
الجنادرية.. والنقلة النوعية
محمد بن حمد الدبيان *

 

مهرجان الجنادرية، لوحة فنية رائعة، ذات ألوان إبداعية زاهية، وأبعاد فكرية ثقافية نيرة، وأهداف تربوية تعليمية سامية، وغايات تأصيلية تراثية نبيلة، تحكي قصة مسيرة خالدة، لرجال غامروا، سعوا فتوفقوا، شيدوا فبنوا صروح المجد والعز، تتحدث عن تاريخ كيان شامخ، لوطن غالٍ، تاريخ عهد الرفعة والسمو لهذا البلد المعطاء، مع تأصل قيم التراث والأصالة السعودية، هذه اللوحة الإبداعية، رسمت بيد كريمة، من رجل ذي خيال واسع، يدرك مجريات الأمور التاريخية السابقة، صاحب نظرة مستقبلية ثاقبة، رسمها بعناية فائقة، لكي تحقق تلك اللوحة غايتها وأهدافها المنشودة.فمنذ ما يقارب الخمس والعشرين سنة، رسم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بيده الكريمة لوحة مهرجان الجنادرية، الذي حرص على أن تكون تلك اللوحة متجددة، ومتطورة مع الزمن، تتزامن مع تطور وازدهار المملكة العربية السعودية في شتى مجالات الحياة.

فالمهرجان عبارة عن صورة مصغرة للواقع الاجتماعي والثقافي لكل مدن المملكة حسب العادات والتقاليد السعودية الأصيلة لكل منطقة أو مدينة، بحيث تعطي صورة شاملة لكل المتطلبات الحياتية للمنطقة. حتى تشاهد من قِبل المواطن، الذي سيتعرف على ما تحويه مناطق المملكة من ثقافات وعادات وتقاليد مختلفة حسب بيئة كل منطقة، والمقيم، ليشاهد مستوى التطور في كل مناطق المملكة بمستوى العاصمة، والزائر للمملكة، الذي سيشاهد مراحل النهضة السعودية، وعراقة تراثها.

ولأهمية المهرجان، فهناك توجيه سامٍ كريم بالاستعداد التام لإظهاره بالصورة المشرفة، التي تليق بحجم المملكة، ومكانتها الإقليمية والدولية.

فمن المؤكد أن هناك رجالاً تعمل لكي يظهر المهرجان والفعاليات بكل أنواعها بالمظهر المناسب، بحيث تتناسب مع الاهتمامات والمتابعة المستمرة من صاحب الفكرة.

لكني أشعر، وقد يلاحظ المتابع للمهرجان خلال السنوات الماضية، أن هناك تغيراً كبيراً في هذا العام 1431هـ، من حيث تسخير الإمكانات، والتجهيزات المتميزة، هذا التغير الجوهري الحادث نحو الأفضل، دائماً يكون مصاحباً للتغير في الشخصيات المكلفة بالعمل، فهناك اللجنة العليا للمهرجان، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير بدر بن عبدالعزيز نائب رئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله نائب رئيس الحرس الوطني للشؤون التنفيذية، نائب رئيس اللجنة العليا، ومعالي الشيخ عبدالمحسن بن عبدالعزيز التويجري نائب رئيس الحرس الوطني المساعد نائب رئيس اللجنة العليا، الرجل المنفذ، رجل الميدان، القائم على إدارة المهرجان، الذي سخر كل الإمكانات المتاحة للتغير إلى الأفضل حتى يعطي المهرجان صورة راقية للإنجازات الإبداعية المتعددة، التي تدل على الاهتمام المطلق لتقديم كل ما من شأنه، أن يساهم بخلق مناخ يتمتع به الزائر للمهرجان، وبأجواء جميلة جذابة تختلف عما كان عليه سابقاً.

ولكون موقع المهرجان خارج مدينة الرياض بمنطقة صحراوية، فالموقع يحتاج إلى جهود جبارة لتغيير طابع المكان من الوضع الصحراوي إلى شكل المدينة النموذجية المصغرة التي تكون مزاراً ذا طابع يجذب الزوار دون ملل أو تذمر، وذلك لتوفر كل متطلبات الحدث والمناسبة والمكان.

تلك الاستعدادات الأساسية التي حرصت إدارة المهرجان على أن توضع في أماكنها المناسبة، لكي تلبي متطلبات جميع زوار المهرجان والمشاركين من حيث الإضاءة التي شملت كل الساحات، كما قامت بعملية تشجير واسعة في كثير من الأماكن، لتكن ساحات خضراء، حتى توجد جواً يتناغم طرباً بين ألوان الفنون الشعبية بإيقاعاتها ونغماتها المختلفة، وإخضرار المناطق المحيطة بمنطقة المهرجان.

كما حرصت إدارة المهرجان على أن تكون الحركة المرورية لمركبات الزوار والمشاركين والخدمات المساندة بأنواعها سهلة سلسة، حيث فتح طريق يعد هو المخرج من منطقة المهرجان، لكيلا يكون هناك ضغط في السير، أو اختناقات مرورية، أو إرباك في الحركة، وكان لشق الطريق الجديد، وسفلتة المواقف أكبر الأثر في أنفس الزوار.

وقد شرف خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفل افتتاح الدورة (25) عصر يوم الأربعاء 1-4-1431هـ الموافق 18-3-2010م الذي تابعه جلالته بكل اهتمام، واخوته وضيوفه الكرام، وقد كانت فقراته متعددة ومتنوعة، اشتملت على كلمات خطابية عصماء، وقصائد شعرية رنانة.

وقد أطلق شعار الدورة، بعنوان: (عالم واحد، وثقافات متعددة)، هذا العنوان، له دلالات ذات معانٍ رائدة، تحث العالم نحو الإنسانية، والاهتمام بالقيم الراقية، والأخلاق الحميدة، والصفات الإنسانية السامية، المستمدة من كل الأديان السماوية، حتى يسود العالم الأمن والأمان.

كما أجاد، وأبدع شاعر الأوبريت (ساري) بعنوان: (وحدة وطن)، في اختيار الكلمات بعناية جيدة، وتسلسل فكري متميز، ذات جرس موسيقي في القافية، ونغمة حماسية رائعة تحث على المواطنة، وتوثق الروابط بين الحاكم والمحكوم، والوطن والمواطن، على أن يسعى الجميع نحو هدف واحد هو بذل النفس والنفيس في خدمة هذا الوطن الشامخ المعطاء.

وقد وفق المخرج والملحن، باللحن الموسيقي، وبجمال أصوات المؤدين، وبالاستعراض المصاحب للأوبريت، حيث حرك مشاعر الحضور والمشاهدين عبر شاشة التلفاز، وختم الأوبريت بكلمة الولاء الصادق النابع من قلوب مؤدي الأوبريت والمشاركين في الاستعراض، وكانت لمشاركة خادم الحرمين الشريفين والحضور أكبر الأثر.

أقيم الحفل على صالة عرض مسرحي مجهزة بكل التجهيزات الفنية المطلوبة، وبتقنية عالية، ورموز دالة على فخامة العرض حيث لفت انتباهي الخلفية الختامية ويظهر فيها (الطائر الصقر) وقد فرد جناحيه، وحدق بعينيه الثاقبتين، نحو الحضور، هذه الصورة الجميلة لهذا الطائر الشامخ، هي شعار قوة واعتزاز وفخر ووفاء، هي إشارة لرجل عرفناه، فأحببناه هو صقر العروبة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.

حقيقة أجد أن مهرجان الجنادرية هذا العام يختلف، من حيث التجديد والتنويع في الاستعدادات والتجهيزات، حتى في فقرات الحفل وما تحمل في طياتها من قيم ومعانٍ تدل على أن اللجنة وإدارة المهرجان بذلت جهداً كبيراً، سعت لتذليل كل الصعاب، وسخرت كل الإمكانات، حتى تظهر اللوحة الفنية الرائعة، بالمستوى الراقي، حسب ما رسمها رسامها بيده الكريمة، والمخطط لها منذ ربع قرن تقريباً.لهذا تحرص حكومتنا الرشيدة على أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، من حيث الأمانة والإخلاص، حتى يسعد المواطن بالاستمتاع بالإبداع، والاستفادة من الحدث، وكل إنجاز وراءه رجال أخلصوا فعملوا، وأنتجوا فأحدثوا نقلة نوعية جيدة.والله ولي التوفيق.

* باريس - المندوب الدائم للمملكة لدى منظمة اليونسكو سابقاً



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد