طليطلة - توليدو - مدينة إسبانية عرفت باسم طليطلة أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا، وهي عاصمة مقاطعة طليطلة ومنطقة كاستيالا فتشا، يبلغ عدد سكانها 73.000 نسمة وتقع على بعد 75 كيلو مترا من مدريد العاصمة الإسبانية، وتقع على مرتفع منيع تحيط به أودية عميقة وأجراف عميقة تتدفق فيها مياه نهر تاجه، ويحيط وادي تاجه بطليطلة من ثلاث جهات مساهماً بذلك في حصانتها ومنعتها، اشتهرت أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا حيث كانت مدينة أندلسية عريقة في القدم.
اسم طليطلة تعريب للاسم اللاتيني توليدوت، وكان العرب يسمون طليطلة مدينة الأملاك لأنها كانت دار مملكة القوط ومقر ملوكهم، وتشير المصادر إلى أن المدينة قد بنيت في الأغلب في زمن الإغريق وازدهرت في عصر الرومان، فحصنوها بالأسوار وأقاموا فيها المسرح والجسر العظيم وبلغت طليطلة ذروتها في عصر الخلافة الإسلامية عندما كانت جميلة ومزيجا من الفن والعلم، وكانت تعرف في القرون الوسطى باسم مدينة التسامح، حيث كان يتعايش فيها المسلمون واليهود والمسيحيون، ويرجع اسم المدينة إلى العهد الروماني حيث تعني بالرومانية المدينة المحصنة، وقد سقطت طليطلة في يد المسلمين بقيادة طارق بن زياد عام 712م بعد انتصارهم في معركة وادي لكه على القوط، وظلت طليطلة تتمتع بعد ذلك بتفوقها السياسي على سائر مدن الأندلس، وفي عهد محمد بن عبد الرحمن الأوسط خرجت عليه طليطلة فبرز إليها بنفسه وهزمهم فانتظمت في عهد خلافة عبد الرحمن الناصر وازدهر فيها فن العمارة، وقد كان من أبرز ما قدمه موسى بن نصير إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك من الغنائم التذكارية النفيسة مائدة تفوق قيمتها كل تقدير كان طارق بن زياد قد غنمها من كاتدرائية طليطلة، وكان القوط قد تفننوا في صنعها فنسبها العرب إلى سليمان بن داود، وإنما أطلق عليها هذا الاسم كناية عن قدمها وعظم شأنها، وقد اختلفت الروايات في وصف هذه المائدة وبيان هيئتها وسبب وجودها كما تشير الى ذلك المصادر التاريخية والمواقع الإلكترونية، فذكرت إحدى الروايات أن الأغنياء والموسرين من القوط دأبوا على أن يوصوا للكنائس بقدر معلوم من ثرواتهم عند الوفاة، وكلما تجمع المال الوفير بين المشرفين على تلك الكنائس أمروا بصناعة موائد وكراس من الذهب والفضة تضع القساوسة عليها الأناجيل في أيام الاحتفالات من أجل المباهاة والتفاخر.
ونالت كنيسة طليطلة قدراً كبيراً من مال الوصايا خاصة أنها كانت مقر البيت المالك، ولذا تأنق الملوك في صنع مائدة لهذه الكنيسة فاقت كل الموائد في سائر إسبانيا، إذ حرص كل ملك على أن يزيد في مائدة كنيسة طليطلة إعلاء لذكره وتباهياً بعاصمة ملكه، حتى صار لها مركز الصدارة في جميع البلاد وتحدث الجميع بجمالها وعلو قيمتها، فكانت مصنوعة من الذهب الخالص مرصعة بفاخر الدر والياقوت والزبرجد، ومهما يكن من أمر تلك الروايات إلا أنها أجمعت على شيء واحد هو عظمة هذا الكنز الثمين الذي فاقت أخباره ما عداه من كنوز وجدت في سائر مدن الأندلس، ويرجح أن هذه المائدة كانت مذبح الكنيسة الجامعة في طليطلة، وأنها كانت على درجة خيالية من الجمال حتى تليق بعاصمة القوط، ولتكون رمزاً على ثراء دولتهم وغناها الوافر.
ويشير المصدر إلى أن مؤرخي العرب عبروا عن عظمة موقع طليطلة من ذلك ما ذكره الحميري في كتابه، الروض المعطار في عجائب الأقطار، إذ يقول: (وهي على ضفة النهر الكبير وقل ما يرى مثلها إتقاناً وشماخة بنيان وهي عالية الذرى حسنة البقعة)، ثم يقول في موضع آخر: (ولها من جميع جهاتها أقاليم رفيعة وقلاع منيعة وعلى بعد منها في جهة الشمال الجبل العظيم المعروف بالشارات).
وقد اغتنم الولاة ومن بينهم بنو قاسي خسائر الحكم بن هشام 771 - 822م في الحرب كسبب للثورة عليه، ما جعله يصبح شديد البطش في حكمه لينهي هذه الثورة، في تلك الأثناء حاز عبيد الله في طليطلة السلطة وأعلن استقلالها فلم يتردد الحكم في إعدام جميع أعيان المدينة، وبعد سقوط الخلافة بقرطبة استقل بنوذي النون بالمدينة وهم أسرة من البربر وتولى عبد الملك بن ميتوه أمر طليطلة وأساء إلى أهلها، فاتفقوا عليه واستقل ابنه إسماعيل بها وترك شؤونها إلى شيخها أبي بكر الحديدي وتوفي إسماعيل وخلفه ابنه يحيى بن إسماعيل الذي توفي وتولى حفيده القادر بالله يحيى الذي ثار عليه أهل طليطلة لقتل ابن الحديدي، وقد حكم بنو يعيش طليطلة بين عامي 1009 - 1028م، حيث كان قاضي المدينة أبو بكر يعيش بن محمد بن يعيش، واستعان القادر بالله يحيى بألفونسو السادس ملك قشتاله الذي فرض الحصار على طليطلة في 1084م، ولم يقم أحد بمساعدة إخوانهم المسلمين إلا المتوكل بن الأفطس الذي أرسل جيشاً كبيراً لنجدة طليطلة لكنه تعرض لهزيمة من الجيش المسيحي، واستمر الحصار تسعة شهور إلى أن استبد الجوع بالناس ولم تفلح محاولات المسلمين في الوصول لتسوية ولم يرضَ ألفونسو سوى بتسليم المدينة كاملة وقد تم ذلك في 25 مايو 1085م، وتوجه إلى المسجد الكبير الذي حوله إلى كاتدرائية وصلى فيه قداس الشكر وصارت العاصمة لمملكة قشتاله المسيحية. وعلى الله الاتكال.