إن المشكلة الحقيقية التي تواجه التربية هي الخوف من الانعكاسات السلبية للمستجدات والتطورات المعاصرة على الأبناء، فعلى سبيل المثال حقق الإنترنت بجذبه شرائح مختلفة من أبناء المجتمع الإسلامي خلال فترة قصيرة من الزمن لا تتعدى بضع سنوات، ما عجز عنه البث المباشر والقنوات الفضائية خلال عقدين من الزمان.. وتزداد وطأة المشكلة في ظل الاستخدام السلبي للإنترنت.
إن مهمة التربية هي مساعدة المجتمع على النهوض بتبعاته ومسؤولياته بشكل سليم، لكي يتدرج في التطور عبر مراحل متوازنة مستفيدا من التقنيات الحديثة والتقدم العلمي في دعم النمو الاجتماعي وتوفير الكوادر البشرية المدربة القادرة على النهوض بتبعات التنمية في المجالات كلها، بمعنى المواءمة بين التطور التقني وبين النمو الاجتماعي والأخلاقي والروحي بمنظور شمولي يصب في خدمة أهداف الأمة الإسلامية بشكل متوازن، بحيث لا يطغى جانب على جانب آخر، لكي يتحقق الانسجام اللازم لجميع روافد التنمية من خلال العمل على الفصل بين الفكر والعاطفة، والإرادة والنظريات والعمليات، والعلم والدين، والدين والدولة، والعامل وصاحب العمل، بمعنى تحديد دور كل خطوة ومرحلة من مراحل التنمية في إطار تنموي متناغم ومتناسق يسعى لتحقيق الانسجام والاتزان والتوافق.. فكل ادعاء بأن الإنسان كائن مادي اجتماعي غير روحي، ادعاء خاطئ وغير منصف، كما أن الفصل بين الفكر واليد يعني الفصل بين الغاية والوسيلة، فمن يفكر بعقله يجب أن يستخدم يده لتطبيق ما يفكر فيه، ومن يستخدم يده يجب أن يفكر فيما يستخدمها فيه، وكل متعبد يجب أن يكون عاملاً.. وكل عامل يجب أن يلتزم بالعبادات التي فرضها الله عليه.. فالتكامل سمة من سمات الإبداع.
إن القلق الذي تعاني منه المجتمعات والشعوب في الوقت الراهن ناتج بصفة أساسية عن فقدان التوازن في حياة الإنسان، حتى في الرغبات والاحتياجات والقدرات والإمكانات في ظل التطورات التقنية المتسارعة التي جعلت إنسان العصر الحالي يلهث ورائها محاولا إدراكها.. للتمتع بالملاهي والملذات مع تجاهل الحياة الروحية والانغماس في الشهوات والحياة البهيمية التي تجعل اليأس والملل يتسرب إلى النفوس.. وقد يطغى عليه اللاوعي الذي يقود إلى ارتكاب أعمال جنونية تعصف بالمجتمع وتبدد الأمن والاستقرار.
إن وسيلة التربية لتعديل الاتجاهات والقيم في العصر الراهن هي غرس الإيمان بالله والعمل على زيادة الوازع الديني والأخلاقي كوسيلة تحرر النفس من العبودية لغير الله، وتنأى بالشباب عن الأهواء والانحرافات، وتحررهم من الأوهام من خلال الإيمان بالله وعدم الخضوع لسواه، والتمسك بالثوابت الإسلامية الراسخة مهما تغيرت أساليب وأنماط الحياة، فالإيمان بالله يمنح القدرة على تسخير التقنية ورياح التغيير بما يخدم الدين والوطن ويظهر للعالم الصورة الصحيحة للإسلام الصالح لكل زمان ومكان.
جامعة الأمير سلطان