إن الرسالة المحمدية التي حملها نبي هذه الأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي خير وسعادة للبشرية في كل أرجاء المعمورة، فتحقيق العبودية لله وحده من مهامها الرئيسية، فلا استسلام ولا انقياد إلا لله، وهذه قمة الحرية والتحرر، فعبادة العباد والظلم والقهر والاستبداد دحضته هذه الرسالة إلى الأبد ولا سيما من التزم بمعطياتها وتوجيهاتها، فالجانب الروحي الذي يمثل مخزوناً هائلاً من القيم التعبدية والسلوكية والأحكام وكل ما يرتبط بحياة الإنسان في حياته ومماته نجده حاضراً مع الإنسان ومهيأً له إذا كانت لديه الاستعدادات لمعانقته هذه القيم والتعامل بها، فالحياة هي المعترك والمحك الرئيس لتطبيقها، مع الأخذ في الاعتبار أن الجوانب المادية الأخرى ما هي إلا وسائل معينة لتحقيق الأجواء المناسبة للعبادة، فالعلوم بشتى أنواعها سواء كانت علوماً تطبيقية أو بحتة أو تقنية ليست هدفاً كما يتخيل البعض لأنها يغلب عليها الجانب المادي، فلو نظرنا إلى الثقافات الأخرى نجد أنها تركز عليها وتهمل الجانب الروحي وتجعله اختياريا، لهذا كل دراساتهم وأبحاثهم تركز على الجوانب العلمية ومردودها المادي، فمخرجات التعليم وثمارها العقول البشرية المنخرطة فيه هيأوا لذلك، وهي نتاج الانفصام مع موروثهم الذي بدأ يؤثر في المجتمعات الأخرى، ولا سيما الدول العربية والإسلامية الذي أصبح البعض منهم يركز على العلوم بدون تأصيل عقدي والكثير من المعاهد والكليات والجامعات تجد برامجها العلمية تركز على العلوم ولا تربطها بالجانب العقدي وهي العبودية لله التي من أجلها خلق الإنسان، وقد وصل الأمر الى أن مناهج التعليم في معظم الدول الإسلامية تخلو من التربية الإسلامية ولا سيما في تعليمها العالي باستثناء التخصص فيها الذي يعتبر تجاوزا وعقوقا لموروثنا الإسلامي الذي من أجله نسعى ونقدح في هذه الحياة، علماً أنه ليس هناك تعارض بين العبادة والاستمتاع بهذه العلوم؛ لأن خلافنا معها ألا تكون غاية بل هي وسيلة كما أشرنا، فالإنسان في حاجة إلى الطبيب والمهندس والكيميائي والفيزيائي والجيولوجي وغيرها من العلوم المعرفية الأخرى؛ لكي تسهم في إيجاد المناخ المناسب لغرس وإقامة الشعائر التعبدية التي يريدها الله لعباده، فالدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي يحوي كل شيء مفيد للبشرية وتحضرها، فالعصر الإسلامي الذي تفاعل مع الدعوة المحمدية ولا سيما في العصرين الأموي والعباسي أنتج عقولا إسلامية متسلحة بسلاح الإيمان ومتنورة بالعلوم في جميع مجالاتها، وقدمته للأمم الأخرى التي من خلاله تطورت وتقدمت وارتقت به، خصوصاً في الوقت الذي تخلت فيه الأمة الإسلامية عنه فترة من الوقت نتيجة لظروف قد يكون البعض بإرادتها وغير إرادتها، لهذا لابد أن يدرك الجميع في عالمنا العربي والإسلامي أن سعينا في البحث عن التطور والتقدم يجب أن يمر من خلال تأصيل العلوم في ظل هويتنا الإسلامية، حتى نعانق ونحقق العبادة على وجهها الصحيح. هذا ما نريده وبالله التوفيق.
مكتب التربية العربي لدول الخليج