Al Jazirah NewsPaper Thursday  25/03/2010 G Issue 13692
الخميس 09 ربيع الثاني 1431   العدد  13692
 
تأملات في النفس البشرية
جابر حسين المالكي

 

خطوة نحو الأمام يدفعها الأمل بالوصول إلى بوابات النجاح.. وقطرة عرق شريفة تنساب من الجبين من أجل لقمة العيش الحلال.. ونظرة ثاقبة يشع منها فجر جديد وابتسامة صادقة من أجل الحياة الآمنة والسعيدة، ووقفة تأمل في وجوه الأيام وثغور الليالي نبني حياتنا بعبادتنا ونعطر أنفاسنا باستقامتنا، نتفاءل بالخير في كل أمورنا وندعو الله باللطف بأحوالنا، فما أسعدها من نفوس كريمة نزعت من بساتين مشاعرها جذور الشر وغرست في رياض قلوبها أشجار الخير، ثمارها الحب والتواضع وظلالها نور من الإيمان يشع من وجه ذلك الإنسان الذي ما زال لسانه رطباً بذكر الرحمن، يسقي غرسه بصلاته ليزداد قربه من خالقه ويحمي رياضه بصدقة تطفئ غضب الرب، أو صلة رحم تنسئ له في عمله وتبسط له رزقه.. وما أتعسها من نفوس دنيئة ظنت أنها خلقت لتعيش، ضيعت دينها فضاعت دنياها وخسرت آخرتها، أكلت الحرام حلفت بالكذب تعاملت بالربا أعلنت حربها فآذنها الله بحرب منه {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فإن لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}.

كم نحن مساكين في هذه الدنيا حين نتحاسد! بل كم نحن ضعفاء حين نتسابق على مفازاتها وهي لا تساوي عند الله جناح بعوضة! وفي النهاية لا نريد أن نقاسم أحداً لذتها وسرورها وكأننا خلقنا لبعضنا، نركض خلف المغريات تجذبنا الأضواء الهافتة، ننظر الى ذلك الفقير المحتاج الذي أصبح آمناً في سربه معافى في بدنه وقد حيزت له الدنيا بحذافيرها على انه ناقص ونحن في هذه الحياة أعلى منه بدرجات ولا يمكن له أن يصل إلى ما نحن فيه من نعيم، متجاهلين أن كل هذا بأمر الله تعالى: {وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}. ننظر الى ذلك العامل المسكين الذي كان هذا قدره في هذه الحياة نستحقره بل ونستعلي عليه بخيلائنا وكبريائنا وأحياناً بجبروتنا.. لا نريد أن نترك أحداً في سبيله، فمرة نتهم فلاناً من الناس بالانعزالي وأنه غريب الأطوار وربما نحكم عليه بالمريض النفسي لماذا؟! لأنه من حاله في باله لا يؤذي أحداً ولا يتكلم في أحد، بينما نتذمر من ذلك الإنسان الذي يختلق المشكلات ويبحث عن أسباب الإزعاج ويحاول جاهداً تدمير العلاقات الاجتماعية والإنسانية وقد تصل إلى العلاقات العبودية بين العبد وربه.. ننتقد الأمين في عمله ونحكم عليه بالتشدد حين يؤدي واجبه بكل معاني الأمانة وجميع لغات الضمير الحي الذي مات في داخل الكثير منا حين نقدم مصالحنا على حساب الآخرين.

يا ترى ما هو الشيء الذي نبحث عنه في هذه الحياة وماذا نريد منها، انها ساحة كبيرة من الخير والشر ومدرسة فيها فصول من التجارب وميادين للسعادة، فيها من الأحزان أنهار تجري ومن الهموم جبال صلبة لا ينسفها إلا ذكر الله {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ استقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.

وهكذا تمر الأيام وتتعاقب الأعوام ونظل نتصيد الأخطاء ونحن قد جمعناها داخلنا وأحيينا بها روح الغرور وتوشحنا بالأنانية وحجبنا بها جمال الحياة وبهجتها وتسلحنا بالجهل وقتلنا به أرواح التسامح نمضي كما الأعمار وننتهي حين تحل الأقدار حينها لا تنفع الأعذار لأن هذه الحياة متاع الغرور.. وفي النهاية قطعة من القماش الأبيض تكون صدقة من أهل الخير يلف بها ويودع في حياة القبور، فإما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وهذه هي نهاية كل إنسان (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).

(اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهوِّن به علينا مصيبات الدنيا، ومتِّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تسلِّط علينا من لا يرحمنا).




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد