الكلمات والرسائل هي وسيلة التخاطب ومورد للحضارة وعنوانُ لثقافة المجتمع.. وإن للألفاظ والكلمات دلائلها ومعانيها التي تبين شخصية المرء ومكانته ومدى رجاحة عقله وعلو تفكيره وسمو ثقافته.. فكلما طابت كلماته وحسنت ألفاظه تدرج في سلك الكمال وارتقى رتب المعالي.. لا يتكلم في غير حاجة وإن تكلم فكلماته لا تخدش الحياء ولا تهتك الستر.. نلاحظ ذلك جلياً من خلال تباين تلك الرسائل التي انتشرت في هذه الأيام والتي يتناقلها الناس عبر هواتفهم الجوالة والتي كثر إرسالها وتبادلها وبشكل ملحوظ في هذه الأيام بين أفراد المجتمع.. والتي تنم عن جهل البعض في الأحكام الشرعية والمفاهيم الاعتقادية.. (ما بين مذكر بجمعة مباركة وبين من يقول اختم عامك باستغفار أو صيام أو ذكر لا دليل عليه..) ورسائل تبين السطحية في التفكير والانحطاط في الأخلاق (ما بين سوء ظن بالناس وغيبة وبهتان وبين سخرية واستهزاء) وإشاعة للعداوة والبغضاء والفرقة والتناحر في عصبية محمومة وجهالة مذمومة تنم عن ضحالة التفكير ودنو الهمة.. ناهيك عن الرسائل (التي تثير الغرائز)!!.. وهذه الرسائل المنكرة لم تقتصر على فئة دون فئة أو جنس دون جنس بل حتى من كان في البيت الواحد بين الزوج وزوجته والابن وأخيه فتجد المقارنات السلبية والقدح والاستفزاز بين أفراد ذلك البيت..والمرء ليس حرا في كلماته يلقيها كيف شاء ومتى شاء بل هو مسؤول ومحاسب عن عمره وعن وقته وعن كلماته (فنعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ) (ولن تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ومنها عمره فيما أفناه).. وإن من أعظم ما يهدم كيان الترابط والوحدة في المجتمع إشاعة الكذب والبهتان والغيبة والاستهزاء، بل إن ذلك دليل على الإفلاس (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال: المفلس من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وحج ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وقتل هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإذا فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) فانظر إلى آثار الكلمة وأثر الرسالة كيف تحبط العمل الصالح.. كل هذا بسبب نشر هذه الكلمات والرسائل والتي قد تبلغ الآفاق والتي فيها استنقاص وافتراء على الآخرين حتى ولو كان على سبيل التسلية والمزاح!!..لماذا؟ لأنه بذلك قد ارتكب خطيئتين الأولى الغيبة التي حذرنا الله منها بقوله: {وَلَا يَغتَب بَّعضُكُم بَعضًا} والأخرى إشاعة هذا الأمر في الآفاق وفي الحديث: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في النار أبعد مابين المشرق والمغرب). إذا كان الأمر كذلك فما أجمل أن نجعل من هذه النعمة فرصة للتواصل والسلام والسؤال عن الحال.. أن نصل بها رحما وأن نعيد بها مريضا.. إنها فرصة لتبادل التهاني الصادقة وإشاعة الحب والمودة وأن تكون سببا لوحدة المجتمع وترابطه وتعاونه على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.. عندها (انشر تؤجر).