Al Jazirah NewsPaper Saturday  27/03/2010 G Issue 13694
السبت 11 ربيع الثاني 1431   العدد  13694
 
قناة الذكور النسائية
جمعة جعيبر

 

في بدء الطفولة تتقافز الفتاة متنقلة بين مجلسين منفصلين مجلس النساء ومجلس الرجال، وفي المجلس الأخير تستقبلها الأحضان والقبل تتلقاها من أب وجد وعم وشقيق وخال أو بقية الأقرباء كأبناء العمومة أو حتى الجيران والأصدقاء. وما هي إلا سنوات قليلة عندما تقترب فتاتنا من عامها السابع أو الثامن حتى يصبح هذا المجلس الأثير عندها محرماً حرمة قطعية. هنا تبدأ رحلة الفصل الأزلية ويصبح مجلس الرجال وحواراتهم وضحكاتهم ذكرى بعيدة من زمن الطفولة تجترها الفتاة كحلم غامض.ومع الإمعان في الفصل الجنسي في المدارس والمرافق وأماكن العمل يصبح هذا المجلس المحرم خيالاً غريباً مدهشاً ملفعاً بالغموض والغيبية، والحالة نفسها تنطبق على الشاب، إلا أن تناول جانب المرأة ومجلسها المحرم خطر لي وأنا أشاهد إحدى القنوات الفضائية الذكورية وتدعى «قناة بداية»، تصور القناة برنامجاً يمتد لأشهر على طريقة «برامج الواقع»؛ ثلة من الشباب يمارسون نشاطات يومية بسيطة تبدو وكأنها تلقائية، ولكنهم يعرفون بأن كاميرا التلفزيون تصورهم لحظة بلحظة والعيون تشاهدهم وتتبع حركاتهم وسكناتهم وهم يأكلون، يلعبون، يتحاورون، يصلون، فتجدهم -أي أبناء هذا البرنامج- يبالغون في «التميلح» والتصنع والتكلف.

وبعيداً عن الخوض في ما يُعرض في هذا البرنامج من خطاب ديني فيه ما فيه من عنصرية وإقصاء وتسفيه للكثير من الممارسات الاجتماعية، وتحريم لكل السلوكيات التي تتعارض مع نظرتهم الخاصة، ولا تسلم من ذلك الإقصاء والثلم المباشر المذاهب والديانات الأخرى ناهيك عن التكفير والتجريم الذي يغص به ذلك الخطاب، فإن ما يدعو للتعجب أن هذه القناة الذكورية البحتة بموقفها المتطرف من المرأة وتهميشها التام لبنات آدم التي تسمى «القناة النسائية» أو «قناة بداية النسائية» تحظى بمتابعة نسائية قد تكون حصرية، وهذا ما يعكسه شريط الرسائل النسائي، فكل الرسائل هي من قبيل (أبغى كريمات تبييض...، مقادير حلا الكتكات يا خوات...، اللي تعرف عنوان أم سلطان اللي عندها خلطة التسمين.. الخ).بحثت عن تفسير لما تحظى به مثل هذه القنوات من حب نسائي جارف حتى أن أصحابها الذين عرفوا هذه الحقيقة قد أسموها «نسائية» وصبغوا شعارها بلون زهري جميل، مع أنها تصور مجتمعاً من الذكور لا وجود فيه لامرأة واحدة، مع أنها تنتمي لفكر همش المرأة ولم يرَ فيها إلا العورة والفتنة، مع أنها تشجع صراحة على تعدد الزوجات وتراه الحل الوحيد لعنوسة الفتيات، مع أنها تتبنى فكراً لا يرى في بنات آدم إلا قطيعاً من الخراف السمينة تجب حمايته من قطيع الذئاب الجائعة وذلك بمنعهن من الخروج إلى الحياة فلا يعملن في أماكن الرجال ولا يقدن السيارة ولا يسكن فندقاً. لم أجد تفسيراً لتلك الترسبات القديمة في ذهن فتاتنا، سوى دهشتها من مجلس الرجال المحرم الذي منعت عنه مذ كانت طفلة وها هي تستكشفه وتشبع فضولها منه على هذه القنوات.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد