Al Jazirah NewsPaper Monday  29/03/2010 G Issue 13696
الأثنين 13 ربيع الثاني 1431   العدد  13696
 
سيدة أوروبا أم سيدة ألمانيا؟
يوشكا فيشر

 

تُرى ما هي مشكلة أنجيلا ميركل على وجه الدقة؟ منذ فترة قصيرة أطلق عليها وصف «سيدة أوروبا»، أما الآن فهي تعطي انطباعاً متزايداً بأنها سيدة ألمانيا. فبدلاً من تقديم الزعامة الحازمة في ظل الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، ينسحب أضخم اقتصاد في الاتحاد الأوروبي إلى قوقعته.

كانت ألمانيا تلعب دوماً دور المحرك الأول للتكامل الأوروبي، بما يتفق مع مصالحها السياسية والاقتصادية. وكانت كل حكومات ما بعد الحرب العالمية الثانية على استعداد دائم لتسخير قوة ألمانيا المالية لتعزيز ذلك الهدف، أي تحميل ألمانيا الفاتورة عن أوروبا.

وكان الشعار بسيطاً: ألمانيا تعطي وتربح بالتالي. ولكن إذا رفضت ألمانيا الجزء الأول من المعادلة، فسوف يعاني المشروع الأوروبي من ضرر جسيم - وكذلك المصالح الوطنية الألمانية. وبالرغم من ذلك فمن الواضح أن هذا هو الاتجاه الذي تسلكه المستشارة ميركل.

فقد تحدثت ميركل علناً في أعقاب الأزمة اليونانية عن ضرورة التمكن من استبعاد بلدان منطقة اليورو التي لا تلتزم بالقواعد. ولكن هل تعتقد ميركل حقاً أن اليورو والاتحاد الأوروبي قد تكتب لهما النجاة من عواقب هذا الإجراء العقابي؟ إن هذه المقترحات السخيفة تُطرَح في برلين بدلاً من تقديم الأفكار اللازمة لتعزيز التضامن والاستقرار في منطقة اليورو.

إن التوصل إلى التوازن الصحيح بين الاستقرار والمساعدات المالية يشكل عنصراً أساسياً، حتى ولو كانت المساعدات لا تتمتع بشعبية لدى الرأي العام الألماني. لا شك أن بلدان منطقة اليورو كانت تفتقر أيضاً إلى الشجاعة اللازمة للتصدي لأزمة الثقة التي تواجه العملة الموحدة من خلال العمل المنسق من أجل فرض ضوابط أكثر إحكاماً على الموازنات الوطنية وتحسين سبل التعاون. ولكن بالرغم من ذلك فلا بد وأن تحصل اليونان على المساعدة كخطوة أولى، من خلال التضامن المالي بين حكومات الاتحاد الأوروبي.

ومن ناحية أخرى، لا بد وأن ندرك أن الانتقادات الأجنبية الموجهة إلى ألمانيا، لأنها تحتفظ بفائض ضخم في حسابها الجاري، أشبه بما تحتفظ به الصين، لا أساس لها من الصحة على الإطلاق. فهي تتجاهل اختلافين على قدر كبير من الأهمية: الأول أن ألمانيا، على النقيض من الصين، عضو في منطقة اليورو، وليس من الممكن بالتالي أن تخفض من قيمة عملتها. والثاني أن «الصادرات» الألمانية تذهب في الأساس إلى الاتحاد الأوروبي.

إن مطالبة ألمانيا بالتوقف عن تعزيز قدراتها التنافسية، أو حتى الحد من محاولات تعزيزها، أمر بالغ الغرابة. فأثناء الفترة من عام 1990 إلى عام 2005 كانت ألمانيا تكافح معدلات البطالة المرتفعة، والنمو البطيء، وانحدار القدرة على المنافسة، وكانت النتيجة تحمل الاقتصاد الأوروبي لقدر كبير من المعاناة.

وكان بلوغ مرحلة التعافي بالغ الصعوبة، ولكن السوق المشتركة استفادت من القدرة التنافسية الألمانية المتجددة.

والنقطة الحاسمة هنا ليست القوة المتجددة التي اكتسبها الاقتصاد الألماني، ولكن ما إذا كانت ألمانيا سوف تستخدم هذه القوة لصالح أوروبا أو لتحقيق مصالحها الذاتية.

من المؤسف أن ميركل قررت كما يبدو الاتجاه نحو الخيار الثاني، لأنه يشتمل على مجازفات سياسية داخلية أقل.

إن المسؤولية عن الصراع الحالي الذي يدور داخل أروقة الاتحاد الأوروبي يقع على عاتق حكومات منطقة اليورو، ولكنها تقع في الأساس على عاتق ألمانيا وفرنسا، صاحبتي أقوى اقتصاد بين بلدان منطقة اليورو. وبدلاً من تولي الزعامة فإن الثنائي الفرنسي الألماني لا يفوت أي منهما الفرصة للإمساك بخناق الآخر علنا. وفي حين يدور شجار اليوم حول تحديد من يتعين عليه أن يتحمل ثمن إعادة هيكلة اليونان، فإن القضية الحقيقية تتلخص في انعدام الثقة الكامنة بين الشريكين، وهو ما يهدد بحدوث قطيعة دائمة بينهما.

فمن وجهة النظر الألمانية، لا تريد فرنسا سوى حل المشاكل المتعلقة بميزانيتها وديونها الوطنية على حساب ألمانيا، وفي الوقت نفسه إضعاف القدرة التنافسية الألمانية.

ومن ناحية أخرى، تخشى الحكومة الفرنسية أن يكون الالتزام الألماني باستقرار منطقة اليورو مجرد حيلة تهدف إلى دفع فرنسا إلى الزاوية وجعلها تتخلف عن الركب الاقتصادي.

منذ اندلعت الأزمة العالمية في خريف 2008، وجد كل من المستشارة الألمانية ميركل والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي نفسه في مواجهة التهديد بتلاشي شعبيته السياسية إذا نحى جانباً مصالحه الوطنية في سبيل التوصل إلى تسوية أوروبية. ولن يتسنى لفرنسا أن تلبي أهداف استقرار ألمانيا ما لم يكن ساركوزي راغباً في التضحية بكل احتمالات إعادة انتخابه. أما ميركل فسوف تثير غضباً شديداً بين ناخبيها المحافظين (فضلاً عن هزيمتها في المحكمة الدستورية الألمانية) إذا وافقت على سياسة إنفاق أكثر تحرراً، بما في ذلك تقديم أي مساعدات مالية مباشرة إلى اليونان.

قريباً، سوف يحتفل هلموت كول، المواطن الفخري الأوروبي ومستشار ألمانيا أثناء فترة إعادة توحيد شطري ألمانيا، بعيد ميلاده الثمانين. وكما هو المعتاد في مثل هذه المناسبات، فسوف نستمع إلى العديد من الخطب الرنانة عن أوروبا. ولكن في ضوء الوضع الحالي، فقد يكون بوسعنا أن نتجاهل مثل هذه الخطب. ففي ظل هذه الظروف العصيبة، تحتاج أوروبا إلى رجال ونساء دولة من عيار كول، وليس من عيار الساسة المحليين.

وباعتبارها الفائز الأكبر على الصعيدين الاقتصادي والسياسي في منطقة اليورو فإن ألمانيا بشكل خاص لا يمكنها أن تسمح لأي أزمة خطيرة في الثقة بتهديد المشروع الأوروبي، وذلك لأن ما يقرب من ثلثي صادراتها تذهب إلى الاتحاد الأوروبي. منذ انهيار ليمان براذرز في سبتمبر/ أيلول 2008، كان من الواضح أن الأزمة العالمية سوف تفرض تحدياً ضخماً على الاتحاد الأوروبي واليورو، وذلك لأن أوروبا تفتقر إلى حكومة مشتركة وسياسة مالية موحدة.

وهذا يعني أن التنسيق داخل منطقة اليورو - وفي المقام الأول بين قوتيه الاقتصاديتين الأكثر أهمية، فرنسا وألمانيا - أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى. ولا شك أن تحديد الإستراتيجية التي سوف تتبناها منطقة اليورو في إدارة الأزمة سوف تتحدد في برلين وباريس.

يوشكا فيشر كان وزيراً لخارجية ألمانيا
خاص (الجزيرة)



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد