Al Jazirah NewsPaper Saturday  03/04/2010 G Issue 13701
السبت 18 ربيع الثاني 1431   العدد  13701
 

الأميّة
مي عبدالعزيز عبدالله السديري

 

الأمية هي عدم القدرة على القراءة أو الكتابة

إذا استعرضنا تاريخ وحضارات الأمم قاطبة، قديمها وحديثها بدءاً من اليونان مروراً بالرومان والعرب والصين والهند واليابان وصولاً إلى اليوم، نجد أن التقدم مرهوناً بمدى ما امتلكته تلك الأمم من العلوم، وكلما ارتفع الخط البياني العلمي لديها كلما ارتقت تلك الأمم وارتفع شأنها والعكس صحيح.

قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} (9) سورة الزمر، وقال أيضاً مخاطباً نبينا الكريم: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} (1) سورة العلق.

لقد جاء الإسلام وأمرنا بالعلم والتعلم وقد فهم أسلافنا معنى الرسالة وطبقوها من أول لحظة وكلنا يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد كان يطلب من الأسرى تعليم الأطفال المسلمين مقابل الفدية، وسار على هذا النهج في تشجيع العلم الخلفاء الراشدون ومن بعدهم أولو الأمر في الدولة الأموية، ومن بعدها الدولة العباسية، ولا ننسى أن نذكر الأندلس، وكانت عواصم هذه الدول مليئة بالعلماء والأدباء والشعراء، وأما المكتبات فقد نهل منها الغرب وبنى حضارته على ما أخذه من العلوم عن العرب سواء كانت تلك العلوم علوماً طبيعية أو أدبية، وكلنا يعلم مجد المسلمين في تلك الفترة المديدة التي امتدت قروناً عدة.

قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: اطلب العلم من المهد إلى اللحد، وإذا نظرنا إلى حالنا اليوم نجد أننا تخلفنا عن الأمم الأخرى.. لماذا..؟ تقول الإحصائيات: إن لدينا ما يقرب من 150 مليوناً من الأميين في وطننا العربي، هل يُقبل مثل هذا الأمر ونحن في القرن الحادي والعشرين؟! أعود على الإحصائيات فأجد أن ما تصرفه إسرائيل على مراكز البحث يزيد عن مجموع ما يخصصه الوطن العربي مجتمعاً على ما لديه من مراكز الأبحاث.. ولذلك نجد أن إسرائيل تصدر للعالم أنواعاً مختلفة من السلع وتغزو العالم بمنتجاتها، فهي تصدر للشرق والغرب، وأما نحن فإننا مازلنا نحبو في مضمار العلوم العصرية وبالتالي فإننا نستورد كل ما نحتاجه من التقنيات، الأمر الذي يُبقينا رهينة عند الغرب، وهذا أمر طبيعي طالما أننا لم نضع استراتيجية واضحة في التصنيع للاستغناء عن الآخرين.

عندما أتكلم عن الأميّة، لا أقصد فقط القراءة والكتابة، وإنما أضع في الاعتبار الآثار الاجتماعية التي تترتب على تلك الأمية، إذ إن الأمي يبقى دائماً مواطناً عاجزاً عن تحقيق الإنتاجية المطلوبة من المواطن الصالح وهو غير ملوم بذلك لأنه لم يؤهل للقيام بالدور الريادي المطلوب، ولا يفوتني أن أذكر الأخطاء التي قد يقع فيها والتي تترك الآثار السيئة على المجتمع.

لقد قال أفلاطون قبل ألفي سنة: (ويل لأمة تأكل ما لا تزرع وتلبس ما لا تصنع) فأين نحن من هذا القول؟

الحمد لله، لدينا الموارد الوفيرة التي تسهل لنا تحقيق نهضة علمية يمكنها أن تسد الفراغ في كافة المجالات الزراعية والصناعية والاجتماعية والوطنية، فلماذا حتى الآن لم نستغل تلك الإمكانيات؟ نعم هناك خطوات في هذا المجال ولكنها خطوات خجولة لا تزال دون المستوى الذي نطمح إليه.

وطالما أننا نتكلم عن الأمية لا يسعني إلا أن أقول إن هناك أمية من نوع آخر غير الأمية التي تحدثت عنها، وهي أمية من يقرأ ويكتب، ولا أستثني من ذلك الخريجين الذين يحملون شهادات جامعية والطبع فإني لا أقصد التقليل من إمكانيات هؤلاء الخريجين ولكن إذا قارناهم بخريجي الجامعات الغربية نجد أن هناك فرقاً شاسعاً بين ما لديهم من المعرفة وما لدى أولئك المتخرجين في الغرب، وإذا سألنا عن السبب نجد أننا لم نعط الأبحاث ومراكزها بما هو ضروري وما هو مطلوب للنهوض بالأمة، وهنا أدعو إلى إعادة النظر في مراكز الأبحاث ونعززها بما يلزم من الأجهزة والتقنيات والمختبرات بحيث ترتقي إلى مصاف مراكز البحث العالمية حتى نتمكن من الوصول إلى غاياتنا المرجوة والارتقاء في سلم الحضارة، ويكفي القول إن الإحصائيات الموجودة بالنسبة لمستوى الجامعات على مستوى العالم، أشارت إلى أن جامعة الملك سعود هي الجامعة العربية الوحيدة التي ظهر اسمها بين أول خمسمائة جامعة في العالم، علماً أنه لدينا مئات الجامعات ولكن.. وهكذا فإن مثل هذه النتيجة تحتم علينا أن نحدّث جامعاتنا ونزودها بالمختبرات اللازمة لتستطيع اللحاق بالركب الحضاري للقرن الحادي والعشرين، وبالتالي تؤمن لنا ما تحتاجه من الكوادر العالمة القادرة على الإبداع والاختراع والإنتاج وخدمة هذه الأمة.

لقد صنف الغرب الوطني العربي ووضعه تحت مسمى الدول النامية، وفي الواقع علينا أن نعترف بالخطأ والاعتراف بالخطأ فضيلة، إننا لسنا دولاً نامية، إننا دولاً متخلفة طالما أننا حتى الآن لا نمتلك تقنيات العصر الحديث ونكتفي بما يجود علينا الآخرون وهم بخلاء جداً في هذا الخصوص، فإن الغرب لا يريدنا أن نتقدم لتبقى بلادنا أسواقاً مفتوحة لبضائعه ومنتجاته، لننظر إلى الهند والصين... ظروفنا وإمكانياتنا تتشابه مع ظروفهم وإمكاناتهم أن لم نقل إن ظروفنا أفضل مما لديهم، ومع هذا فإين نحن من هاتين الدولتين؟ لقد دمر الحفاء اليابان وألمانيا في الحرب العالمية الثانية، ومع ذلك فقد استطاعتا النهوض من بين الركام ومن تحت الرماد.. وكلنا يعرف ما لدى هاتين الدولتين من العلوم والإنتاج والتقنية، ويحضرني في هذا المجال قول أحد الشعراء:

العلم يرفع بيتاً لا عماد له

والجهل يهدم بيت العز والشرف


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد