Al Jazirah NewsPaper Sunday  04/04/2010 G Issue 13702
الأحد 19 ربيع الثاني 1431   العدد  13702
 
وزارة (الوطن)..؟
حمّاد بن حامد السالمي

 

هل هذه هي المرة الأولى التي يتمكن فيها ثلاث مئة معلم ومعلمة من لقاء قياداتهم العليا في وزارة التربية والتعليم، والتحاور والتشاور معها، في قضايا تدخل في صلب العملية التربوية والتعليمية..؟

* أعتقد.. أنها هي المرة الأولى، وأعتقد كذلك أن المواجهة الحضارية التي جرت بين سمو وزير التربية والتعليم الأمير (فيصل بن عبدالله بن محمد) ونوابه ووكلائه من جهة، وبين معلمين ومعلمات من جهة أخرى، يمثلون اثنتين وأربعين منطقة تعليمية في أنحاء المملكة، هي الأفضل على الإطلاق؛ لبلورة فهم مشترك ومتجانس، يدفع إلى أسرع الطرق وأنجعها، نحو أهدافنا وغاياتنا من العملية التربوية والتعليمية، هذا.. إذا أردنا تغييراً مجدياً، يصل بنا إلى إصلاح جذري لمشاكل التعليم، وهي المشاكل التي عانينا منها طويلاً، وتفاقمت أكثر وأكثر في العقود الثلاثة الماضية، وسوف يظل التعليم العام في بلادنا بصفة خاصة عقبة كأداء في طريق نهضتنا المأمولة، وتطورنا المنشود، إلى أن نعلي شأنه بالإصلاح الشامل، الذي دعا إليه الملك المظفر (عبدالله بن عبدالعزيز) حفظه الله، بل وحث عليه كثيراً، ورصد له المليارات قبل سنوات.

* تابعت ما تناثر من أخبار وِرَش العمل التي سبقت لقاء سمو الوزير مع المعلمين والمعلمات، ثم ما جرى في اللقاء المباشر مع سموه، وأعترف هنا أني سررت كثيراً، ليس فقط لما صدر من توصيات ووعود جرت على أفواه مسؤولين في الوزارة، تحت إلحاح طلبات المعلمين والمعلمات؛ فهذا مرهون بالزمن القادم، ولكن لفكرة اللقاء نفسها أولاً، وللتحضير الذي سبقه، وللشفافية التي اتسم بها، ولكي يفهم كل طرف طريقة تفكير الطرف الآخر، ولو أن فكرة كهذه تتاح للطلاب والطالبات في المستقبل، فتُعطى لهم فرصة التحاور والتشاور مع قيادات تربوية وتعليمية عليا في الوزارة، لازددنا معرفة ببعضنا، ولتوافرنا على حظوظ أفضل للالتقاء في منطقة وسط، تجمع مخططي التعليم وموجهيه، مع منفذي الميدان، الذين هم المعلمون والمعلمات، ومع طلابهم وطالباتهم، ومع أولياء الأمور كذلك.

* أعجبني سمو وزير التربية والتعليم كثيراً في هذا اللقاء بالذات؛ لأنه لم يمهل الحديث عن محاولات (تهميش الوطن) أكثر من أربع وعشرين ساعة، فهشم التهميش، وانتصر للوطن. كان بعض المعلمين والمعلمات في لقاءاته مع نواب الوزير قد طرح تساؤلاً - أو تشاؤلاً - لا أدري كيف أسميه.. مفاده: (ما جدوى تأكيدات وزارة التربية والتعليم بأهمية الاحتفال باليوم الوطني، في الوقت الذي يحرم البعض ذلك)..؟! فسمو الوزير رد وهو يردد في اليوم التالي قائلاً: (وزارة التربية والتعليم.. وزارة الوطن)..!

* ربما كانت هذه هي المفاجأة الوحيدة في هذه اللقاءات الجميلة؛ إذ نكتشف أن بين أبنائنا من المعلمين والمعلمات من يمارس الفتوى على صغار السن في غير محلها، وهو غير مؤهل لها، وإنما يردد أقوالاً صحوية قديمة، لا تمت للواقع بصلة، ضارباً بنصوص المقررات الحديثة والمناهج التي هو مكلف بها دون غيرها عرض الحائط، وآخر يقبض مرتبه من عمله في التعليم بينما عقله في تورا بورا، وولاؤه لمن ينتمي إلى تلك الكهوف الحجرية من طالبان والقاعدة. إن كان مثل هذا السؤال على سبيل الاستنكار ممن يعتقد بوجوب إنهاء هذه الحالة الشاذة والمتأخرة جداً في التفكير في أوساط بعض المعلمين فهذا أمر آخر جيد، لكنه يشي - ربما - بوجود نصوص مدسوسة، وأقوال مخشوشة، تسير جنباً إلى جنب، مع المقررات الدراسية، في مدارس التعليم العام، وقد جاء الوقت المناسب لكشف ما هو مدسوس، ونخش ما هو مخشوش، وبيان أن وزارة التربية والتعليم هي وزارة الوطن، التي ينبغي أن تربي أبناءنا وبناتنا على حب الوطن، وليس على كرهه وتقزيمه. إنها الوزارة الأكبر من بين كل الوزارات، التي ينتمي إليها كل مواطن على هذا التراب الوطني الطاهر، والتي يقضي فيها كل مواطن خُمس حياته لكي يتربى على فضائل دينه الصحيحة، وقيم مجتمعه الأصيلة، وواجبات وطنه الرءوم، فالوطن يعني لكل فرد فيه كيانه ومستقبله وحياته. أما إن كان الأمر غير ذلك - وعسى ألا يكون كذلك - فلا.. ثم لا.. لمن هذا رأيه في وطنه، وهذا نهجه في فهم الاحتفال باليوم الوطني.

* في المشهد التعليمي العام بكافة صوره وسبله وأشكاله يجب أن تكون الروح الوطنية حاضرة. إذا لم نصل إلى تحقيق هذه الغاية السامية فالبديل.. هو ما عرفناه ونعرفه جيداً، فحين تتحول الساحة المدرسية إلى صراعات مذهبية وحزبية وفئوية حينها.. يُؤثَّن الوطن، وتُجرَّم الوطنية، وهذه هي البيئة التي تتشكل فيها لغة التشدد والتطرف، والتي ينمو فيها فكر التكفير، والتي يتخرج فيها الإرهابيون والخوارج.

* وفي الوقت الذي كانت فيه شريحة من المعلمين والمعلمات تحاور قياداتها العليا في مقر الوزارة بالرياض، ويصغي سمو وزير التربية ونوابه إلى انتقادات لاذعة من ثلاث مئة معلم ومعلمة في لقاء شفاف، وحوار نقدي مفتوح، يتقدم رهط من مديري التعليم في منطقة مكة المكرمة بشكوى إلى الجهات الرسمية، متظلمين من نقد الصحافة لأداء إداراتهم، الذي لا تشوبه شائبة، ولا تسومه سائمة، ولا تعيبه عائبة، ولا تغيب عنه غائبة، مطالبين بوقف هذا النقد الغاشم عنهم، حتى يستريحوا من فضول الصحفيين، ويتفرغوا للعمل كما يريدون ويشاؤون..!!

* كيف غابت عن هؤلاء المديرين الأجلاء روح الشفافية التي يتمتع بها وزيرهم، والجو النقدي الذي تعيشه وتشيعه الوزارة حولها في كل اتجاه، وما يكتب كل يوم على أعمدة كتاب الصحف من نقد لأداء وزارتهم الكبيرة، قبل أن يصل الأمر إلى كراسي السادة مديري التعليم..؟!

* لماذا لم يتعلم هؤلاء وأمثالهم - حتى اليوم - هذا الدرس الحضاري الجميل، ممن هم أعلى منهم إدارياً، في قطاع التعليم العام نفسه، أم يريد بعضهم إسكات الصحافة، وكأن الإدارة التربوية التعليمية إدارة أسرة مدير التعليم المحترم..؟!!



assahm@maktoob.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد